رغم أنّ صحفاً ووسائل إعلام بريطانية انتقدت عام 2018 “النفوذ الماسوني” بين أفراد الشرطة وأعضاء البرلمان، فإنّ الماسونيين يعتبرون الحديث عن نفوذهم العالمي مجرد تضخيمٍ لوضعٍ لا وجود له، إذ إنّ الماسونية تحظر الخوض في أمور السياسة والدين.
في هذا الموضوع جمعنا لك بعض الحقائق عن الحركة الماسونية التي تحيط بها الأساطير والخرافات، التي قد تكون أيضاً مبنية على بعض الحقائق، فالحقيقة أنّ 16 رئيساً لأمريكا كانوا ماسونيين، ومن ضمنهم أشهرهم “جورج واشنطن”، وهو أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية.
ومن ضمن الأساطير والأسرار التي ينسبها كثيرون إلى الحركة الماسونية أيضاً: تخطيط العاصمة الأمريكية، وترتيب جرائم قتل ضد مخالفي الحركة.
وللحقيقة، فإنّ قوائم عضوية “الأخوية الماسونية” الغامضة تلك، تحتوي على سياسيين بارزين حول العالم، وعمالقة في مجال الأعمال، سنذكر لك بعضهم خلال هذا التقرير.
ما هي الماسونية؟ نقابة البنائين أم”فرسان الهيكل” الصليبيون؟
تعتبر الماسونية أقدم “أخويّة” في العالم. وقد كانت قد بدأت خلال العصور الوسطى في أوروبا بوصفها “نقابة البنَّائين المَهرة”. ومع تراجع دور الكاتدرائية تحوّل تركيز هذه المجموعة.
تقول مارغريت جاكوب لموقع شبكة History، وهي أستاذة تاريخ في جامعة كاليفورنيا، ومؤلّفة كتاب “العيش في التنوير”، إنّ الماسونيين يشكّلون منظّمةً اجتماعية خيرية تهدُف إلى الرقيّ بفضائل أعضائها وتوجّههم الاجتماعي.
ورغم أن الماسونية ليست جماعة سرّية، فإن لديها كلمات وطقوساً سرّية تعود إلى نقابة البنائين المهرة التي تأسست خلال العصور الوسطى. وفي النقابة الأصلية كان هناك ثلاثة مستويات من الأعضاء: وهم التلامذة، والزملاء، والماسونيون المعلّمون الذين يُشرفون على جميع العاملين في المكان. وفي وقتنا هذا اتخذت المستويات الثلاثة بُعداً فلسفياً أعمق، وفق ما تخبرنا به المؤرخة.
لكن أيضاً هناك روايات شائعة أخرى عن نشأة الماسونية، كما يورد الكاتب الماسوني “بات مورغان” في كتابه “أسرار الماسونيين الأحرار” وغيره من الكتاب والمؤرخين، أن الماسونية كانت امتداداً لتنظيم عسكري انقرض مع الزمن، وهو تنظيم “فرسان الهيكل” الصليبي.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وقد ظهر تنظيم فرسان الهيكل الصليبي (أو فرسان المعبد) في نهاية الحملة الصليبية الأولى (1095-1099) على المشرق الإسلامي. كانت مهمّة هذا التنظيم هي “حماية الحجاج” المسيحيين إلى بيت القدس، لكنّ تنظيمهم أصبح قوةً عسكرية ضخمة ارتكبت الكثير من المجازر ضدّ المسلمين في المشرق.
وعلى كلٍّ، رغم كل هذه التخمينات من قبل الكتاب والمؤرخين، ليس هناك تأكيد حقيقي واضح عن نشأة وتأسيس “أخوية” الماسونية.
شعار الماسونية.. الرموز العجيبة والسرية
وإذا كان تأسيس “الأخوية” جاء أساساً من نقابة البنائين المهرة، فقد تواصل أعضاء الحركة الماسونية مع بعضهم البعض من خلال رموزٍ مرئية مستمدّة من أدوات البناء الحجرية. لكنّ هذه الرموز “السرية” و”الغامضة” أيضاً أحاطت بها العديد من التفسيرات والتحليلات.
فقد استخدمت المجموعة رمز “العين”، والمعروفة باسم “عين بروفيدانس”، وهي أيقونةٌ مسيحية تمثِّل ما يسمونه عندهم بعين الله التي تراقب البشرية، والتي “ترى وتراقب كل شيء”، وهناك تفسير أنّها عين العناية الإلهية للتعبير عن علم الإله بكل شيء.
وبسبب هذه العين، اعتبر الكثيرون من أتباع نظرية المؤامرة أنّ “الماسونية تحكم أمريكا” لأنّ هذه العين توجد على أحد وجهي الدولار الأمريكي. واعتبروا أنّ هذه العين ما هي إلا “عين بروفيدانس” التي هي رمز الماسونية. وقد دعم أصحاب هذه النظرية آراءهم بأنّ بنجامين فرانكلين أحد الآباء المؤسسين لأمريكا كان ماسونياً.
والجدير بالذكر أنّ هناك حزباً سياسياً تأسس في أمريكا عام 1828 باسم “حزب مناهضة الماسونية”.
كما أنّ هناك رمزاً آخر للماسونية هو الرمز الأشهر: المربّع والبوصلة اللذان يتوسّطهما حرف G. وقد ظلّ حرف G في مركز الرمز مثاراً للخلاف؛ إذ يعتقد بعض الخبراء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أنه يمثل الهندسة، هذا المجال المهم لدى الماسونيين الأوائل (البنائين المهرة)، بينما يعتقد البعض أنه يمثّل الإله “المهندس الأكبر للكون”. ويشيع رمز المربّع والبوصلة في الحلقات الماسونية عبر العالم.
وهناك كذلك رمز ماسوني آخر أقل شهرة مستلهمٌ من الطبيعة؛ وهو خلية النحل. وأحد التفسيرات لهذا الرمز هو أنّ الماسونيين في الأصل عمالٌ يفترض أن يكونوا مشغولين كالنحل، وترمز خلية النحل إلى دأب المحافل الماسونية.
لكنّ آخرين يرون أنّ رموز الحركة الماسونية التوراتية تشير إلى صلتها باليهودية، فأحد رموز الماسونية هو نجمة داوود، التي ترمز عندهم للحياة و”هيكل سليمان”، وهكذا يعتقد البعض أنّ الماسونية ما هي إلا أحد أدوات الصهيونية للسيطرة على العالم.
وتنقل شبكة الجزيرة عن حسان حلّاق، وهو أستاذ التاريخ بالجامعة اللبنانية عن أحد الماسونيين الكبار قوله إنّ “الماسون يؤمنون بالتوراة، لأنّ الماسونية بنت اليهودية.. وهم يؤمنون بإنشاء وطن قومي لليهود”.
وهكذا كان دور الماسونية في إسقاط السلطان عبدالحميد وإنشاء إسرائيل
يستشهد أستاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية يوسف حلاق بالعلاقة بين الماسونية وإسقاط السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، بأنّ الذي تزعّم عملية خلع السلطان عبدالحميد عن العرش العثماني عام 1908 كان المحامي اليهودي الماسوني عمانوئيل قره صو، وهو الذي حمل قرار “الخلع” للسلطان، وهو نفسه كان المؤسس لأحد أهمّ المحافل الماسونية في الدولة العثمانية، وهو محفل مدينة سالونيك اليونانية.
ومن الجدير بالذكر أنّ السلطان عبدالحميد عندما خلع من العرش نفي إلى سالونيك، وهي التي يتمركز فيها الماسونيون في الدولة العثمانية، وكانت تلك المحافل الماسونية تتمتّع بالحماية الدولية. وقد عاش السلطان عبدالحميد في إقامته الجبرية في سالونيك في فيلا شخص يهودي ماسوني يدعى “رمزي بيك”. وفق ما يذكر يوسف حلاق. ويرجح المؤرخون أن الماسونية تقف أيضًا بطريقة غير مباشرة في إنشاء الدين الوهابي الذي انتشر في الحجز في أواخر حكم السلطنة العثمانية والتي ساهمت في تفكيك السلطنة العثمانية وانتشار موجة التكفير والإجرام والإرهاب في المنطقة العربية.
هناك درجات مختلفة في الماسونية، ولكلٍّ منها طريقة مصافحة خاصة
وينقل موقع شبكة الـBBC العربي أنّ الماسونية لها ثلاثة فروع أساسية، يسمّى أولها “المحفل الأزرق” وهو مكوّنٌ من ثلاث درجات. الأولى هي درجة “تلميذ الصنعة المستجدّ” ثم تليها “زميل الصنعة” ثم تليها “البناء المعلم”.
أمّا الفرع الثاني وهو أعلى من الأوّل فيسمى “الطقس اليوركي”. وهو مكوّن من 10 درجات، ثمّ “الطقس الاسكتلندي” والذي تصل درجاته إلى 32 درجة. أمّا أعلى الدرجات داخل الماسونية فهي الدرجة 33.
كما أنّ الانضمام للماسونية ليس حكراً على أتباعِ دينٍ مُعيّن، بل يمكن أن ينضمّ إليها أي شخص من أي دين، ما دام قد وافق على مبادئها.
وللحركة الماسونية تحيةٌ خاصةٌ يُحيّي بها أعضاؤها بعضَهم. وجميع تلك المصافحات تعتمد على رتبة الفرد في داخل المنظمة. وهناك مصافحة لكل درجة: فالتلامذة لهم مصافحة، والزملاء لهم أخرى، والماسونيون المعلمون لهم ثالثة مختلفة تماماً.
كما أنّ لكلِّ طقسٍ من الطقوس مصافحةً خاصةً به، لذا فثمة تنوّع كبير.
ونستون تشرشل وجمال الدين الأفغاني! مشاهير انضموا للماسونية
لن يكون مفاجئاً أن نجد العديد من المشاهير منضمين للماسونية، فقد كان جورج واشنطن “ماسوناً أكبر”، كما كان بنجامين فرانكلين الأب المؤسس لأمريكا هو أيضاً عضواً مؤسساً لأول محفل ماسوني في أمريكي، كما أنّ الرئيس فرانكلين روزفلت والرئيس جيرالد فورد كانوا ماسونيين كذلك.
وفي بريطانيا، فقد كان رئيس وزراء بريطانيا “العظمى” ونستون تشرشل ماسونياً، وكذلك رئيس الكنيسة الأنجليكانية الراحل “جيفري فيشر” الذي توّج الملكة إليزابيث الثانية.
كما كان الملحن العالمي أماديوس موزارت ماسونياً، وكذلك هنري فورد مؤسس شركة فورد للسيارات، وكذلك رائد الفضاء باز ألدرين.
وعلى صعيد إسلامي، يذكر الموقع العربي لـBBC أنّه في القرن التاسع عشر أدرك جمال الدين الأفغاني دور التنظيم الماسوني وأهميته في حركة التغيير، وكانت الماسونية في وقته ذات سمعة جيدة، فهي ترفع شعار الثورة الفرنسية “حرية- إخاء- مساواة”، وتسعى لفصل السلطة السياسية عن السلطات الدينية.
انضم الأفغاني للمحفل الماسوني، لكنّه اختلف معهم لاحقاً، فقاد الأفغاني تمرداً ضد المحفل الماسوني الغربي، وتسبب بانشقاقاتٍ داخل المحفل الماسوني في مصر.
خرج الأفغاني وجمعٌ من أنصاره من المحفل وأسسوا محفلاً ماسونياً شرقياً ارتبط بعلاقاتٍ مع الماسونيين الفرنسيين الذين كانوا مناوئين للإنجليز (كان الإنجليز يحتلون مصر في ذلك الوقت)، ومن هذا المحفل الذي نظّمه الأفغاني جيداً خرج أحمد عرابي ومحمود سامي البارودي قائِدَا الثورة العرابية وغيرهم من المؤثرين في التاريخ السياسي والأدبي والفكري المصري، بل والعربي.