الحمدلله الذي أنار الوجود بطلعة خير البرية سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام قمر الهداية وكوكب العناية الربانية مصباح الرحمة المرسلة وشمس دين الاسلام من تولاه مولاه بالحفظ والرعاية السرمدية وأعلى مقامه فوق كل مقام وفضله على جميع الأنبياء والمرسلين ذوي الرُتب العلية (وشَرَفَ أمته على الامم القبلية فنالت به درجة القرب والسعادة والاحترام وأنزل تشريفها في مُحكم الآيات القرآنية فقال عز وجلّ (كُنتُم خير أمةٍ أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) فما أعذب هذا الكلام نحمده أن جعلنا من هذه الأمة المخصوصة بهذه المزية الفائزة بالوصول الى دار السلام ونشكره على هذه العطية ونستعين به ونستهديه على الدوام ونسأله العفو والعافية وحسن الختام
وهاكم من قصة المولد الشريف ما تتحلى المسامع بحلاه
قالت ءامنةُ وفي تلك الساعةِ رأيتُ الشُهُبَ تتطايرُ يميناً وشمالاً ورأيتُ المنزِلَ قد اعتكر عليَّ بأصواتٍ مشتبهات ولغاتٍ مختلفات فأوحى الله تعالى إلى رضوان ، يا رضوان زين الجنان ، وصف على غُرَفِها الحورَ والولدان فتبادرت بزينتها الحور الحسان ، وأشرفت من غُرفِ الجنان وأزهرتِ الأوراق والأشجارُ والأغصان وقطرت قطراتُ الرحمةِ على أوراقِ الأفنان وأهتز العرشُ طرباً ، ومال الكرسيُ عجبا ، وخَرَّتِ الملائكةُ سُجَداً وماجَ الثقلان ، وتجلى الملك الديانُ من غير حركةٍ ولا انتقال ، تعالى ربنا ذو الجلال ، ثُمَّ إنَّ الله تعالى أوحى إلى جبريل أن صُفَ أقداح راحِ الشراب ، للكواعبِ الأتراب ، وانشر نوافِحَ المسكِ الزكيةِ وعطِرِ الكونَ بالروائح الطيبة الزكية وأفرش سجادة القرب والوصال ، للمصطفى المصلي في محارب الكمال ، وقيل يا مالكُ أغلق أبوابَ النيران ، وصَفِدِ الشياطين لهبوط الملائكةِ المقربين ، ونوديَ في أقطار السمٰواتِ فهبطَ الأمينُ إلى الأرض بالملائكةِ المقربين وقد حجبتهم سحابةٌ من الكافور الأبيض ، فرجعت برياح الرحمةِ من مجاري سُحُبِ الكرامةِ تربض ورفرفت الأطيار ، وجاءت الوحوش من القفار ، وكُلُ ذلك بأمر الملك الجبار ، قالت ءامنةُ ولم يأخذني ما يأخذُ النساءَ من الطلقِ إلا أني أعرَقُ عَرَقاً شديداً كالمسكِ الأذفرِ لم أعهده قبل ذلك من نفسي فشكوت العطش فإذا بملكٍ ناولني شَرْبَةً من الفضةِ البيضاء فيها شرابٌ أحلى من العسل وأبردُ من الثلج وأزكى رائحةً من المسكِ الأذفر فتناولتها فشربتها فأضاء عليَّ منها نورٌ عظيم فحرتُ لذلك وجعلتُ أنظرُ يميناً وشمالاً وقد اشتد بيَّ الطلقُ فبينما أنا كذلك فإذا أنا بطائرٍ عظيمٍ أبيض قد دَخَلَ عليَّ وأمَرَّ بجانبةِ جناحيه على بطني وقال انزل يا نبيَّ الله ، فأعانني عالمُ الغيب والشهادة على تسهيل الولادة فوضعت الحبيب محمداً صلى الله عليه وسلم
قصة الحمل والولادة
قال بعض العلماء ممن ألف في قصة المولد الشريف: إن ءامنة بنت وهب حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم عشية الجمعة أول ليلة من رجب وإن ءامنة لما حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ترى الطيور عاكفة عليها إجلالا للذي في بطنها وكانت إذا جاءت تستقي من بئر يصعد الماء إليها إلى رأس البئر إجلالا وإعظاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرت بذلك زوجها عبد الله فقال: هذه كرامة للمولود الذي في بطنك، قالت: وكنت أسمع تسبيح الملائكة حولي وسمعت قائلا يقول هذا نور السيد الرسول، ثم رأيت في المنام شجرة وعليها نجوم فاخرة أضاء نورها على الكل وبينما أنا ناظرة إلى نورها واشتعالها إذ سقطت في حجري وسمعت هاتفا يقول: هذا النبي السيد الرسول.
ما حصل في ليلة الولادة
أما ليلة مولده صلى الله عليه وسلم فكانت ليلة شريفة عظيمة مباركة، ظاهرة الأنوار، جليلة المقدار، فظهر فيها من الفضل والخير والبركة ما بهر العقول والأبصار، فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى وسقط منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وجفت بحيرة ساوه (مدينة في فارس).
وفي سقوط أربع عشرة شرفة إشارة إلى أنه لم يبق من ملوك الفرس إلا أربعة عشر ملكا وكان ءاخرهم في خلافة سيدنا عثمان رضي الله عنه، وأما نار فارس التي كانوا يعبدونها من دون الله والتي كانت توقد وتضرم ليلا ونهارا فانطفأت، وأما بحيرة ساوه التي كانت فيها السفن فقد جف ماؤها، ومن الآيات التي ظهرت لمولده صلى الله عليه وسلم أن إبليس صاح ورن رنة عظيمة (أي صاح) كما رنّ حين لعن وحين أخرج من الجنة وحين نزلت الفاتحة.
وقد روي أن ءامنة قالت لما وضعته صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ عَلِقْتُ بِهِ فَمَا وَجَدْتُ لَهُ مَشَقَّةً، وَأَنَّهُ لَمَّا فَصَلَ خَرَجَ لَهُ نُوْرٌ أَضَاءَ لَهُ مَا بَيْنَ المشْرِقِ وَالمغْرِبِ، ووَقَعَ عَلَى الأَرْضِ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ قَدْ شَقَّ بَصَرَهُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، وَإِنَّهُ وُلِدَ مَخْتُوْنًا مَسْرُوْرًا)
فقد روى أحمد والبيهقي والطيالسي بإسنادهم عن أبي أمامة قال: قيل: يا رسول الله ما كان بدء أمرك؟ قال: “دَعْوَةُ أَبِيْ إِبْرَاْهِيْمَ، وَبُشْرَىْ عِيْسَىْ ابْنِ مَرْيَمَ، وَرَأَتْ أُمِّيْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُوْرٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُوْرُ الشَّامِ”.
وروى ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “رَأَتْ أُمِّيْ حِيْنَ وَضَعَتْنِيْ سَطَعَ مِنْهَا نُوْرٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُوْرُ بُصْرَىْ”.
ءاثار اصطفاء الله لنبيه صلى الله عليه وسلم
وقد ظهرت ءاثار اصطفاء الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في جوانب كثيرة منها طهارة نسبه صلى الله عليه وسلم، فلم ينل نسبه الطاهر شىء من سفاح الجاهلية، فكان من سلالة ءاباء كرام ليس فيهم من يشينهم أو يعيبهم، بل كانوا سادات قومهم في النسب والشرف والمكانة، وهذه سنة الله في أنبيائه ليكون الناس إلى إجابتهم أسرع وإلى أوامرهم أطوع، وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللهَ اصْطَفَىْ كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيْلَ وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَىْ مِنْ قُرَيْشٍ بَنِيْ هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِيْ مِنْ بَنِيْ هَاْشِمٍ”.
من هذه الآثار التي ظهرت
ما قالته ءامنة بنت وهب: فلما وضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته رافعا رأسه إلى السماء (أي قبلة الدعاء) مشيرا بإصبعه فاحتمله جبريل وطارت به الملائكة ولفه ميكائيل في ثوب أبيض من الجنة وأعطاه إلى رضوان يزقه كما يزق الطير فرخه وكنت أنظر إليه كأنه يقول زدني، فقال له رضوان يكفيك يا حبيب الله فما بقي لنبي علم ولا حلم إلا أوتيتّه فاستمسك بالعروة الوثقى من قال مقالتك واتبع شريعتك يحشر غدا في زمرتك، وإذا مناد ينادي: طوفوا به مشارق الأرض ومغاربها، واعرضوه على موارد الأنبياء وأعطوه صفوة ءادم ومعرفة شيث ورقة نوح وخلة إبراهيم ورضا إسحاق وفصاحة إسماعيل وحكمة لقمان وصبر أيوب ونغمة داود وقوة موسى وزهد عيسى وفهم سليمان ووقار إلياس وعصمة يحيى وقبول زكريا، واغمسوه في أخلاق النبيين كلهم وأخفوه عن أعين العالمين فهو حبيب رب العالمين، فطوبى لحجر ضمه وطوبى لثدي أرضعه وطوبى لبيوت سكنها، فقالت الطير نحن نكفله وقالت الملائكة نحن أحق به وقالت الوحوش نحن نرضعه.
ولد صلى الله عليه وسلم مكحولا مدهونا مسرورا مختونا، وحين ولد سارعت إلى طلعته المباركة ثلاثة من الملائكة مع أحدهم طست من الذهب ومع الثاني إبريق من الذهب ومع الثالث منديل من السندس الأخضر وغسلوه بماء الرحيق.
قالت ءامنة بنت وهب: فلما وضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم خر ساجدا لله تعالى، فهو صلوات ربي وسلامه عليه أعرف الخلق بمقام العبودية والعبادة وأعرف العباد والعبّاد.
صلى الله عليه صلاة يقضي بها حاجاتنا ويفرج بها كرباتنا ويكفينا بها شر أعدائنا وسلم عليه وعلى ءاله سلاما كثيرا.