(وَصَلاةُ الْعِيدَيْنِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ [فِي الْهَامِشِ: لِغَيْرِ الْحَاجِّ بِمِنًى عَلَى الأَصَحِّ]) لِمُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا. (وَقِيلَ هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ) نَظَرًا إِلَى أَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلامِ (فَإِنِ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ قُوتِلُوا) عَلَى الثَّانِي دُونَ الأَوَّلِ (وَوَقْتُهَا) الْمُخْتَارُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُهَذَّبِ (مَا بَيْنَ أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ) قَدْرَ رُمْحٍ (إِلَى الزَّوَالِ) وَأَمَّا أَصْلُ الْوَقْتِ فَيَدْخُلُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ لِلاِرْتِفَاعِ لِيَزُولَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ.
(وَيُسَنُّ تَقْدِيْمُ صَلاةِ) عِيدِ (الأَضْحَى) أَيْ تَعْجِيلُهَا (وَتَأْخِيرُ صَلاةِ الْفِطْرِ) قَلِيلاً، رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “كَتَبَ إِلَى عَمْرِو بنِ حَزْمٍ حِينَ وَلاَّهُ الْبَحْرَيْنِ أَنْ عَجِّلِ الأَضْحَى وَأَخِّرِ الْفِطْرَ ” وَالْحِكْمَةُ فِيهِ اتِّسَاعُ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ وَوَقْتِ إِخْرَاجِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَفِي الإِقْنَاعِ لِلْمَاوَرْدِيِّ: الاِخْتِيَارُ فِي الأَضْحَى أَنْ تُصَلَّى إِذَا مَضَى سُدُسُ النَّهَارِ وَفِي الْفِطْرِ رُبْعُهُ.
(فَإِنْ فَاتَتْهُ) صَلاةُ الْعِيدِ بَأَنْ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى زَالَتِ الشَّمْسُ (قَضَاهَا) نَدْبًا (فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ) بِنَاءً عَلَى قَضَاءِ فَوَائِتِ النَّفْلِ، وَالثَّانِي لا يَقْضِيهَا بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِهِ. (وَالسُّنَّةُ أَنْ يُمْسِكَ فِي عِيدِ الأَضْحَى) عَنِ الأَكْلِ (إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ وَأَنْ يَأْكُلَ فِي عِيدِ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلاةِ) لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ وَلا يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ” وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا” وَالْمَعْنَى فِيهِ امْتِيَازُ يَوْمِ الْعِيدِ عَمَّا قَبْلَهُ بِالْمُبَادَرَةِ بِالأَكْلِ أَوْ تَأْخِيرِهِ (وَلأِنَّ الْفِطْرَ فِي ابْتِدَاءِ الإِسْلامِ كَانَ مُحَرَّمًا قَبْلَ الصَّلاةِ فَقُدِّمَ لِيُعْلَمَ نَسْخُهُ، مِنْ شَرْحِ ابْنِ الرِّفْعَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى) (وَتُقَامُ الصَّلاةُ) أَيْ صَلاةُ الْعِيدِ (فِي) الْمَسْجِدِ (الْجَامِعِ) نَدْبًا لِشَرَفِهِ (فَإِنْ ضَاقَ عَلَيْهِمْ صَلَّوا فِي الصَّحْرَاءِ) كَمَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيْهَا بِهَا. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَذَلِكَ لِضِيقِ مَسْجِدِهِ عَمَّنْ يَحْضُرُ صَلاةَ الْعِيدِ بِخِلافِ الْجُمُعَةِ (وَيَسْتَخْلِفُ الإِمَامُ) عِنْدَ خُرُوجِهِ بِالنَّاسِ إِلَى الصَّحْرَاءِ (مَنْ يُصَلِّي فِي الْجَامِعِ بِضَعَفَةِ النَّاسِ) كَالشُّيُوخِ وَالْعَجَائِزِ وَالْمَرْضَى كَمَا اسْتَخْلَفَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَبَا مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيَّ فِي ذَلِكَ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ. وَهَلْ يَخْطُبُ الْمُسْتَخْلَفُ؟ قَالَ الْجِيلِيُّ لا لأِنَّهُ افْتِيَاتٌ عَلَى الإِمَامِ وَالْمُتَّجِهِ كَمَا قَالَ الإِسْنَوِيُّ خِلافُهُ لأِنَّ الإِمَامَ هُوَ الَّذِي اسْتَخْلَفَ فَلا افْتِيَاتٌ. وَفِي نُكَتِ ابْنِ النَّقِيبِ وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَخْطُبَ بِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ لَمْ يَخْطُبْ بِهِمْ. (وَيَحْضُرُهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ) وَتُسْتَثْنَى الْمَرْأَةُ الْجَمِيلَةُ وَذَاتُ الْهَيْئَةِ فَيُكْرَهُ لَهَا الْحُضُورُ. رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ:” أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا فِي الْعِيدَيْنِ بِإِخْرَاجِ الْعَوَاتِقِ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ “(ويُظْهِرُونَ الزِّينَةَ) أَيِ الرِّجَالُ وَالصِّبْيَانُ دُونَ النِّسَاءِ كَمَا يُفْهِمُهُ ضَمِيرُ جَمْعِ الذُّكُورِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدٌ يَلْبَسُهُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ اتَّفَقَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَالأَصْحَابِ عَلَى اسْتِحْبَابِ حُضُورِ الصِّبْيَانِ الْمُمَيِّزِينَ صَلاةَ الْعِيدِ وَعَلَى تَزْيِينِهِمْ بِالْمُصَبَّغ (قال في تاج العروس: وأصْلُ الصَّبْغِ في كلامِ العَرَبِ : التَّغْييرُ ، ومنْهُ صَبْغُ الثَّوْبِ : إذا غُيِّرَ لَوْنُه ، وأُزِيلَ عنْ حالِه إلى حالِ سَوادٍ ، أوْ حُمْرَةٍ ، أو صُفْرَةٍ ).
وَحُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَوْمَ الْعِيدِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي غَيْرِهِ. (وَيَغْتَسِلُ لَهَا بَعْدَ الْفَجْرِ) لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الأَضْحَى” وَسَوَاءٌ مَنْ حَضَرَهَا وَغَيْرُهُ بِالاِتِّفَاقِ بِخِلافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغُسْلَ هُنَا لِلْيَوْمِ وَهُنَاكَ لِلصَّلاةِ (فَإِنِ اغْتَسَلَ لَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ جَازَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الأَظْهَرُ وَالثَّانِي لا يَجُوزُ كَالْجُمُعَةِ وَفَرَّقَ الأَوَّلُ بِأَنَّ الْعِيدَ يُصَلَّى فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَتَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى تَقْدِيْمِ الْغُسْلِ لِئَلاَّ يَضِيقَ الْوَقْتُ وَيَتَأَخَّرَ عَنِ التَّكْبِيرِ بِخِلافِ الْجُمُعَةِ وَعَلَيْهِ فَقِيلَ يَصِحُّ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ وَقِيلَ عِنْدَ السَّحَرِ وَالأَصَحُّ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ.