وقد تكلم العلماء في صفة مزاحه صلى الله عليه وسلم فقال الإمام الغزالي: فإن قلت: قد نقل المزاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فكيف ينهى عنه؟ فأقول: إن قدرت على ما قدر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو أن تمزح ولا تقول إلا حقًّا، ولا تؤذي قلبًا، ولا تفرط فيه، وتقتصر أحيانًا على الندور، فلا حرج عليك. ولكن من الغلط العظيم أن يتخذ الإنسان المزاح حرفة؛ يواظب عليه، ويفرط فيه، ثم يتمسك بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم فلا ينبغى أن يغفل عن هذا.
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي: إن المداعبة لا تنافي الكمال، بل هي من توابعه ومتمماته إذا كانت جارية على القانون الشرعي، بأن تكون على وفق الصدق والحق، ويقصد (بها) تأليف قلوب الضعفاء وجبرهم، وإدخال السرور عليهم والرفق بهم، ومزاحه صلى الله عليه وسلم سالم من جميع هذه الأمور، يقع على جهة الندرة لمصلحة تامة، من مؤانسة بعض أصحابه، فهو بهذا القصد سنة،
وإننا إذا استعرضنا صفحة حياته، نجد أمثلة كثيرة يمازح فيها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم بالقول والفعل، مع الأخذ في الاعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقول إلا حقًّا، قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ [النجم: 3]. ورُوِي عن أبى هريرة رضي الله عنه أنه قال: قالوا: يا رسول الله، إنك تداعبنا! قال صلى الله عليه وسلم: “لا أقول إلا حقًّا”
وفي رواية ابن عمر رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إني لأمزح ولا أقول إلا حقًّا”