فصل في ذكر شىء من فضائل موسى وشمائله
قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا * وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾ [سورة مريم 51-53]، وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنّ موسى كان رجلا حييًا ستيرًا لا يُرى من جلده شىء استحياء منه فآذاه من ءاذاه من بني اسرائيل فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة ـ وهو انتفاخ الخصية ـ وإما ءافة، وأن الله عز وجل أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يومًا وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها وأن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملإ من بني إسرائيل فَرَأَوْه عريانا أحسن ما خلق الله وأبرأه الله مما يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فوالله إن بالحجر لنَدَبا من أثر ضربه ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا، فذلك قوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ ءاذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ [سورة الأحزاب/69]”، والحديث عند مسلم أيضًا وأحمد، وفي الصحيحين أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر”.
صفة موسى عليه السلام
روى مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بوادي الأزرق فقال: “أي واد هذا”، قالوا: وادي الأزرق، قال: “كأني أنظر إلى موسى وهو هابط من الثنية وله جؤار إلى الله عز وجل بالتلبية”.
وروى أحمد عن ابن عباس قال: “وأما موسى فرجل ءادم جعد الشعر على جمل أحمر مخطوم بخلبة ـ أي ليف ـ كأني أنظر إليه وقد انحدر من الوادي يلبي”. وروى أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “وأما موسى فآدم جسيم سبط”، وروى أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلا طوالا جعدًا كأنه من رجال شنوءة”.
وفاة موسى عليه السلام
قال محمد بن كعب القرظي: كان تحويل النبوة إلى يوشع بن نون قبل موت موسى، وكان يختلف يوشع إلى موسى غدوة وعشية، فيقول له موسى: يا نبي الله هل أحدث الله إليك اليوم شيئا؟ فيقول له يوشع: يا صفي الله صحبتك من كذا وكذا سنة، فهل سألتك عن شيء يحدثه الله إليك حتى تكون أنت الذي تبتدئه لي؟ فلما رأى موسى الجماعة عند يوشع أحب الموت.
قال ابن الجوزي: وفي هذا بعد ، فإن الحديث الصحيح يدل على غير هذا
قال علماء السير: توفي موسى بعد هارون بثلاث سنين، وأوصى إلى يوشع، وتوفي بباب لد .
قال أبو جعفر الطبري: كان جميع مدة عمر موسى عليه السلام مائة وعشرين سنة، عشرون منها في ملك أفريدون، ومائة منها في ملك منوشهر، وكان ابتداء أمره منذ بعثه الله نبيا إلى أن قبضه الله في ملك منوشهر .
واختلفوا: هل مات بأرض الشام أم لا على قولين:
أحدهما: أنه توفي بأرض التيه، وقد روينا عن ابن عباس أنه قال: ماتوا كلهم في التيه وموسى وهارون، ولم يدخل بيت المقدس إلا يوشع، وكالب بن يوفنا، والحديث الذي قدمناه يدل على هذا
والقول الآخر: لما مضت الأربعون خرج موسى ببني إسرائيل من التيه، وقال لهم: ادخلوا القرية فكلوا منها حيث شئتم. قاله الربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد .
وقال ابن جرير: وهذا هو الصحيح، وإن موسى هو الذي فتح قرية الجبارين مع الصالحين من بني إسرائيل؛ لأن أهل السير أجمعوا أن موسى هو قاتل عوج، وكان عوج ملكهم، وكان بلعام فيمن سباه ، سباه موسى وقتله .








