نبدأ بالدعاء أن يرفع الله تعالى درجات الشهداء في الجنة، وأن يجزيهم خير الجزاء على ما قدّموا من تضحيات في سبيله، وأن يجعل دماءهم شرفًا ونورًا يوم يلقونه.
ويثور هنا سؤال يتكرر: هل أجساد الشهداء تبقى كما هي، أم تتحلل في الأرض كسائر البشر؟
حقيقة أجساد الشهداء
الأصل أن أجساد الشهداء، كسائر أجساد بني آدم، تتحلل في الأرض. فلا يوجد دليل صحيح من القرآن أو السنة يثبت بقاء أجسادهم مصونة من البِلى.
قال الله تعالى:
﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ (طه: 55)
وقال النبي ﷺ:
«كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب، منه خُلق ومنه يُركّب».(رواه مسلم)
وهذا نص صريح أن أجساد الناس جميعًا تعود إلى التراب.
كرامة خاصة لبعض الشهداء
ومع ذلك، فقد يكرم الله بعض الشهداء بأن تبقى أجسادهم سليمة لا يمسها البِلى، كما ورد في بعض الأخبار الصحيحة عن شهداء أحد. لكن هذه حالات استثنائية يختص الله بها من يشاء، وليست قاعدة عامة.
أما الحقيقة الثابتة التي لا خلاف عليها، فهي أن الشهداء أحياء عند ربهم يُرزقون، كما قال الله تعالى:
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ (آل عمران: 169)
وقد صح في الحديث أن أرواحهم في جوف طير خضر تسرح في الجنة حيث تشاء، ثم تأوي إلى قناديل معلّقة تحت العرش. وهذه حياة برزخية لا تُقاس بمقاييس الدنيا.
الشهادة أمر غيبي
من المهم أن نعلم أن الحكم بالشهادة في حقيقته أمر غيبي لا يعلمه إلا الله. فقد نعدّ من يُقتل في المعركة شهيدًا في الظاهر، لكن الله وحده يعلم حقيقة نيّته؛ فقد يقاتل رياءً أو لغرض دنيوي.
وعليه، فكون الإنسان شهيدًا عند الله لا يرتبط بسلامة جسده من التحلل، بل بصدق نيته وإخلاصه. وقد يكون شهيدًا ويتحلل جسده، أو لا يكون شهيدًا ويبقى جسده كما هو، والأمر كله بيد الله سبحانه.
الخلاصة
الشهداء أحياء عند الله في نعيم البرزخ، يتقلّبون في رحمة الله ورزقه. أما أجسادهم، فهي في الأصل تتحلل كسائر الأجساد، إلا من شاء الله أن يكرمه بكرامة ظاهرة.
فليست العبرة في الجسد، بل في المنزلة العظيمة التي أعدّها الله للشهداء في الجنة، حيث النعيم المقيم والخلود الأبدي.