حين تقترب من كهف أهل الكهف في الأردن، تشعر وكأنك تعبر عتبة الزمن، وتترك خلفك عالما مألوفا لتدخل عالما آخر تحكيه قصة خالدة صمدت أمام تقلبات العصور.
الطريق المؤدي إلى الكهف -في منطقة الرقيم شرق العاصمة عمّان-، يلفه سحر الطبيعة، كالتلال المتدرجة، والصخور المنحنية بأشكال غريبة، هناك تتشابك الطبيعة الخلابة مع عبق التاريخ.
ومع كل خطوة تقربك من الكهف، يزداد شعورك بالمغامرة، وكأن الأرض نفسها تدعوك لاكتشاف سر دفين، لتهمس لك بحكايات صامدة عبر آلاف السنين.
كهف أهل الكهف ليس مجرد موقع أثري عادي، بل هو شاهد حي على قصة قرآنية خالدة وردت في سورة الكهف، مما جعله وجهة يقصدها السياح والحجاج والمؤرخون، والباحثون عن الروحانية من مختلف أنحاء العالم.

أما الطريق إلى الكهف نفسه، فرحلة لا تقل روعة عن الوصول إليه، ليغدو كل حجر شاهدا على صبر وإيمان الفتية الذين لجؤوا إلى هذا الملاذ الآمن.
عند مدخل الكهف، يبدو المكان كبوابة سرية، يأخذك من واقعنا المعتاد إلى فضاء من الأسرار والغموض، المدخل ضيق قليلا، والظلام يغلفه، لكن روح المكان تبعث على النفس الطمأنينة والسكينة.
في الداخل، يسود الصمت المكان، يتخلله صوت خفقان قلبك، وصدى خطواتك على الأرضية الصخرية الباردة، هنا يستطيع الزائر أن يتخيل رقود الفتية الذين لجؤوا إلى هذا الملاذ هربا من الظلم، وكأنك تشاهدهم يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال، متشبثين بإيمانهم وصبرهم، مختبئين عن أنظار العالم، حاملين قصصهم التي صمدت قرون طويلة.
ما يميز كهف أهل الكهف في الأردن ليس فقط قيمته الدينية أو التاريخية القديمة، بل أيضا الموقع الجغرافي المذهل الذي يوفر منظرا بانوراميا من فوق الصخور القديمة، يمكنك رؤية امتداد الجبال والأودية، بينما تتسلل أشعة الشمس لتضيء الكهف بألوان ذهبية، تماما وكأن الطبيعة نفسها تحتفي بهذه القصة العظيمة.
إلى ذلك، يقول إمام مسجد أهل الكهف الداعية الأردني معتصم الحنيطي أن هناك العديد من الحقائق حول قصة أهل الكهف، مؤكدا في حديثه للجزيرة نت أن “الكهف المذكور في القرآن الكريم هو نفسه الكهف الموجود في منطقة الرقيم بالأردن”.
واستعرض الحنيطي 5 أدلة رئيسية تثبت أن الكهف في الأردن هو الكهف القرآني، مشيرا إلى أن الادعاءات التي تقول بوجود الكهف في دول أخرى غير دقيقة.

موضحا أنه قدم دراسة ماجستير محكمة تناولت فتية أهل الكهف من منظور تاريخي وتفسيري، مبينا أن الأدلة الخمسة التي استند إليها هي:
-
- اسم المنطقة الرقيم تماما كما ورد في القرآن الكريم.
-
- يعلو الكهف مسجد يُعد من أقدم المساجد المبنية في الأردن، لقوله تعالى: “قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً”.
-
- الفجوة التي نام فيها الفتية وتظهر في أعلى الكهف.
-
- عدد القبور الموجودة في الكهف وهي 7، كما أشار الصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنه.
-
- اتجاه الشمس بالنسبة للكهف، حيث يشرق عليها من جهة اليمين ويغرب عنها من جهة الشمال.
وعن إمكانية توافر هذه الأدلة في كهوف أخرى، أوضح الحنيطي أن ذلك مستحيل، مؤكدا أن الأردن هو المكان الوحيد الذي يجمع كل هذه الصفات، بما في ذلك اتجاه الباب الجغرافي.
مشيرا إلى أن أغلب العلماء والمؤرخين، إضافة إلى روايات الصحابة، يوافقون على أن الكهف يقع قرب عمّان، وبالقرب من الزرقاء وبلدات زيزيا والبلقاء، حيث تم تحديده من 4 جهات.
لافتا إلى أن الكهف قد تغيرت هيئته على مر العصور، فقد كان صغيرا وطبيعيا، إلا أن الرومان والبيزنطيين والعباسيين والمماليك والأمويين اهتموا به وتركوا بصماتهم داخله.
- الكهف الذي يتألف من الداخل من غرفة واسعة تحتوي على 7 قبور حجرية منحوتة في الصخر، يعتقد أنها تعود إلى الفتية.
- وجود بقايا مسجد بُني في العصر الأموي، وقد حافظ المسلمون على إحياء المكان وبنوا مسجدا حديثا يجاوره ليبقى مزارا نشطا حتى اليوم.
- تنتشر في الموقع بقايا أعمدة وزخارف حجرية وقطع فسيفسائية، تدل على تعاقب الحضارات المختلفة كالرومانية والبيزنطية والإسلامية.
- توجد بقايا مقبرة بيزنطية تضم قبورا وأضرحة، تضيف إلى المكان بعدا تاريخيا.هذه العناصر تجعل من الكهف ليس فقط موقعا دينيا، بل متحفا مفتوحا يروي تاريخ المنطقة الممتد على آلاف السنين.
وخلال تجوالها في كهف أهل الكهف، أعربت الزائرة التركية سيلين أيدن عن إعجابها العميق بالمكان وتاريخه الغني، مبينة في حديثها للجزيرة نت أن زيارتها لم تكن مجرد جولة سياحية، بل تجربة روحانية خاصة، شعرت خلالها بارتباط عميق بالقصة التاريخية والدينية التي يشتهر بها الكهف.
وأضافت أن قراءتها لسورة الكهف ستختلف تماما بعد هذه الزيارة، معبرة عن سعادتها بوجودها في هذا الموقع الذي جمع بين التجربة العلمية والثقافية والدينية الغنية، مؤكدة أن الذكرى ستظل راسخة في ذهنها لفترة طويلة.
وعند مغادرتك، تشعر كأنك تركت أثرك الخاص بك في هذا المكان الذي يجمع بين الواقع والغموض، وبين التاريخ والطبيعة، وبين الصمت والقصص العميقة الضاربة في جذور التاريخ، التي لا يزال صدى ثباتها يتردد في أرجاء الكهف إلى يومنا هذا.