في الوقت الذي تُرفع فيه الشعارات العربية عن التضامن مع الفلسطينيين ورفض التهجير القسري، تكشف تسريبات ومشاريع سرية عن دور إماراتي مريب في الدفع بخطط تستهدف تهجير الفلسطينيين وإعادة توطينهم خارج وطنهم.
أحدث حلقات هذه المؤامرة تتعلق بأرض الصومال (صوماليلاند)، الإقليم غير المعترف به دوليًا، حيث تعمل أبوظبي كوسيط محوري في مشروع إعادة توطين نازحي غزة مقابل منح هذا الكيان الاعتراف والشرعية الدولية.
وما يبدو للعلن أنه “مبادرات إنسانية” يخفي في الجوهر مخططًا استراتيجيًا يهدف إلى هندسة ديموغرافية تخدم مصالح واشنطن وتل أبيب، فيما تجني الإمارات مكاسب نفوذ ومواقع استراتيجية جديدة في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
تسريبات تكشف المخطط
بحسب وثائق مسربة إلى منصة “دارك بوكس”، ظهر اسم أرض الصومال ضمن نماذج وخطط لإعادة تنظيم سكان غزة خارجيًا، إلى جانب دول مثل السودان ومصر والأردن وحتى الإمارات نفسها.
وقد جاءت هذه التسريبات متطابقة مع تقارير صحفية غربية أشارت إلى أن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين استكشفوا في السر خيارات لنقل الفلسطينيين إلى مناطق بديلة، من بينها الصومال وأرض الصومال، وهو ما اعتبرته أوساط حقوقية انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي الإنساني.
وتؤكد الوثائق أن المخطط لم يكن مجرد “فكرة نظرية”، بل نُوقش على طاولة المفاوضات خلف الكواليس، بوجود وسطاء خليجيين، وعلى رأسهم الإمارات التي لعبت دور “المهندس” في تقريب وجهات النظر بين واشنطن وتل أبيب من جهة، وأرض الصومال من جهة أخرى.
الصفقة: الاعتراف مقابل استقبال النازحين
تكمن خطورة المؤامرة في الصيغة المقترحة: أرض الصومال، التي تبحث منذ عقود عن اعتراف دولي بكيانها المنفصل عن الصومال الأم، يمكن أن تحصل على هذا الاعتراف مقابل استقبال آلاف الفلسطينيين المُهجّرين من غزة.
هذه الفكرة ليست وليدة اللحظة. فالإمارات سبق أن استثمرت في ميناء بربرة الاستراتيجي، وعززت حضورها العسكري في المنطقة، في إطار سعيها للسيطرة على أهم الممرات البحرية قرب باب المندب والبحر الأحمر. بالتالي، فإن “صفقة اللاجئين” لن تكون سوى أداة إضافية لترسيخ نفوذها، مع تقديم نفسها كوسيط إقليمي قادر على “حل الأزمات”.
يأتي ذلك فيما تكرر الإمارات في العلن رفضها لسياسة التهجير القسري للفلسطينيين، وتبدي التزامًا بشعارات دعم القضية. لكنها، كما تكشف هذه الوثائق، تنخرط سرًا في تيسير مشاريع تهدف إلى تسليع حياة الفلسطينيين وتحويلهم إلى ورقة مساومة سياسية.
هذا التناقض ليس جديدًا. فمنذ توقيع اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، كثّفت أبوظبي مساعيها لتوسيع نفوذها في ملفات حساسة: من التطبيع العسكري والاستخباراتي إلى التلاعب بخيارات “السلام الاقتصادي” على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية.
في المقابل ورغم النفي الرسمي من سلطات أرض الصومال بشأن أي مباحثات لإعادة توطين الفلسطينيين، فإن سلوكها السياسي يكشف انفتاحًا على الحوار في هذا السياق. فهي تدرك أن أي صفقة مدعومة إماراتيًا وأمريكيًا قد تمنحها الجائزة التي طال انتظارها: اعتراف دولي بشرعية انفصالها.
هذا الطموح يجعلها عرضة لابتزاز أبوظبي وتل أبيب، عبر ربط الاعتراف بقبول لعب دور “مكب بشري” للفلسطينيين المُهجّرين. وفي المقابل، تعزز الإمارات سيطرتها على ممر بحري استراتيجي يربط الخليج بالبحر الأحمر والمتوسط.
البعد الجيوسياسي: البحر الأحمر بوابة النفوذ
خلف هذه الصفقة المحتملة يكمن مشروع استراتيجي أوسع: أبوظبي تسعى لتحويل نفسها إلى لاعب رئيسي على خط التجارة والملاحة العالمي.
فمن استثماراتها في ميناء بربرة إلى وجودها العسكري في عصب الإريترية، ومن قواعدها في اليمن إلى نفوذها في القرن الإفريقي، تعمل الإمارات على بناء شبكة نفوذ تجعلها الوكيل الإقليمي للقوى الكبرى في المنطقة.
توظيف قضية اللاجئين الفلسطينيين في هذا السياق ليس سوى امتداد لهذه الاستراتيجية: مقايضة “المأساة الإنسانية” بمكاسب جيوسياسية، دون أي اعتبار لحق العودة أو للقانون الدولي.
ويواجه المجتمع الدولي معضلة أخلاقية وقانونية: أي محاولة لتهجير الفلسطينيين قسرًا إلى أرض الصومال أو غيرها ستشكل جريمة بموجب اتفاقيات جنيف، وتفتح الباب لموجة نزاعات جديدة.
إذ أن إعادة توطين الفلسطينيين خارج وطنهم ليس حلًا إنسانيًا، بل تفريغ ممنهج للقضية من مضمونها السياسي. وهو ما يفسر الغضب الشعبي والرسمي في الأوساط الفلسطينية والعربية تجاه أي إشارة لمثل هذه المخططات.
الإمارات: من التطبيع إلى التواطؤ
المفارقة أن الإمارات، التي تقدم نفسها كـ”صوت الاعتدال”، تتحول عمليًا إلى أداة لإعادة تشكيل الخريطة الديموغرافية والسياسية للمنطقة بما يخدم إسرائيل.
فمن التطبيع الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري، إلى الوساطة في صفقات مشبوهة مثل “صفقة أرض الصومال”، تبرهن أبوظبي أنها ليست مجرد “وسيط”، بل طرف متورط في محاولة إنهاء القضية الفلسطينية عبر أدوات غير مباشرة.
وما تكشفه هذه التسريبات ليس مجرد مناورة سياسية عابرة، بل دليل جديد على أن الإمارات تسعى لاستثمار المأساة الفلسطينية لبناء مشروعها الإقليمي. عبر تسويق أرض الصومال كملجأ بديل للفلسطينيين، تضرب أبوظبي عرض الحائط بالحقوق التاريخية والقانونية للشعب الفلسطيني، وتفتح بابًا جديدًا للفوضى الإقليمية.
ويُظهر المشهد بوضوح أن القضية الفلسطينية لم تعد فقط رهينة الاحتلال الإسرائيلي، بل أيضًا رهينة لمشاريع نفوذ عربية تتخفى وراء أقنعة “المساعدات الإنسانية”. وأمام هذا الواقع، يصبح فضح هذه المؤامرات ضرورة قصوى، كي لا يتحول الفلسطينيون إلى أوراق مساومة في لعبة النفوذ التي تديرها أبوظبي من خلف الستار.