في الثالث والعشرين من أغسطس/آب 2025، حطّت طائرة شحن إماراتية من طراز “إليوشن Il-76TD” (النداء: FY4942) على مدرج مطار رامون جنوب إسرائيل، محمّلةً بأربعين طنًا من العتاد العسكري.
لم يكن الأمر مجرد نقل تقني أو عملية تجارية عابرة، بل كان تسليمًا مباشرًا إلى الجيش الإسرائيلي، الذي سارع إلى تحويل الحمولة إلى قاعدة نبتيم الجوية في صحراء النقب، في وقت تواصل فيه آلة الحرب الإسرائيلية إبادة غزة وتحديدًا أطفالها ونسائها.
هذه الواقعة تكشف – بما لا يدع مجالًا للشك – أن أبوظبي لم تعد مجرد شريك مطبّع سياسيًا مع تل أبيب، بل غدت جزءًا أصيلًا من ماكينة الحرب الإسرائيلية.
والأخطر من ذلك أن هذه الطائرة نفسها هي التي استُخدمت العام الماضي في عمليات تهريب السلاح إلى ميليشيات “قوات الدعم السريع” في السودان عبر جسر جوي إلى تشاد، لإشعال حرب الإبادة في دارفور. إنها الطائرة ذاتها، والشبكة ذاتها، واليد السوداء ذاتها التي تنقلت بين مسارح الجرائم: من دارفور إلى غزة.
الطائرة… والسجل الأسود
المشغّل الرسمي لهذه الرحلة هو شركة Fly Sky Airlines، وهي شركة واجهة لا يعرفها كثيرون، لكنها مرتبطة مباشرة بالقصر الإماراتي وتعمل كذراع سرية في صفقات السلاح.
هذا الوجه الخفي يخفي وراءه شبكة معقدة من شركات وهمية ووسطاء ماليين، هدفها التمويه على تورط الدولة الإماراتية في صفقات مشبوهة تتعارض مع القانون الدولي.
الخطط اللوجستية للرحلة الأخيرة لم تُدار من مؤسسات النقل المدني أو عبر قنوات تجارية معلنة، بل جاءت من مكتب طحنون بن زايد، رجل الظل الذي يدير ملفات العمليات القذرة للإمارات، بالتنسيق المباشر مع وزارة الدفاع الإسرائيلية.
وعليه فإن ما جرى لم يكن صدفة أو إجراء بروتوكولي، بل خطة عسكرية محكمة تنقل العلاقة بين الجانبين من “تعاون أمني” إلى “اندماج كامل في معارك الإبادة”.
حمولة الموت
تفيد المعلومات أن الشحنة لم تكن مجرد ذخائر تقليدية، بل ضمّت أنظمة اتصالات عسكرية متقدمة وأجهزة تشويش ورادارات ميدانية، جرى تجهيزها بتنسيق بين مجموعة إيدج (EDGE) الإماراتية وعملاقي الصناعات العسكرية الإسرائيلية IAI وElbit Systems.
هذه الشراكة التقنية لم تُبنَ بين ليلة وضحاها، بل هي ثمرة سنوات من التعاون العسكري والاستخباراتي بعد اتفاقيات التطبيع، لكنها اليوم تكشف وجهها العلني: الإمارات ليست وسيطًا في المنطقة، بل موردًا مباشرًا للحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
والتوازي بين ما حدث في دارفور وما يجري اليوم في غزة مروّع. نفس الطائرة التي كانت تُسقط السلاح في مطارات تشادية لتغذية قوات الدعم السريع وهي ترتكب المجازر بحق السودانيين، تعود اليوم لتحط في قلب فلسطين المحتلة محمّلة بسلاح موجّه إلى صدور أطفال غزة.
الرسالة واضحة: الدم العربي، سواء في الخرطوم أو في غزة، يُستباح عبر نفس المسارات، بنفس الطائرات، وبذات القرار السياسي الآتي من أبوظبي.
هذا السلوك يؤكد أن الإمارات تحوّلت إلى “مركز لوجستي للحروب لا يفرّق بين مسرح وآخر. فبينما يدّعي قادتها دعم الاستقرار و”نشر الخير”، تعمل أجهزتهم في الظل كأذرع للقتل والإبادة. إنها لعبة قذرة تُدار في أروقة المكاتب، لكن دماؤها تتناثر على أرض دارفور وغزة.
كما أن محمد بن زايد لم يعد مجرد “مهندس” للتطبيع مع إسرائيل كما يحاول الإعلام الرسمي تلميعه، بل هو اليوم المورد الأول للذخائر التي تفتك بأطفال غزة. فالرجل شريك مباشر في قتل الأطفال تحت الركام.
ولم يكتفِ بن زايد بتسليم القرار العربي إلى واشنطن وتل أبيب، بل حوّل بلاده إلى مستودع للمرتزقة وشريان إمداد عسكري يمد إسرائيل بكل ما تحتاجه في وقت تقاطعها فيه دول أوروبية عديدة وتتصاعد عزلة تل أبيب الدولية.
وهذه الخطوة ليست حادثة معزولة، بل امتداد لعشرات الشحنات التي سبقتها عبر مسارات ملتوية: برًا عبر الأردن، وبحرًا عبر موانئ البحر الأحمر، وجويًا عبر محطات مؤقتة في إفريقيا وأوروبا الشرقية. لكن رمزية هذه العملية أنها جرت علنًا، وبطائرة معروفة بسجلها الدموي، لتعلن أن أبوظبي لم تعد تخشى فضح دورها، بل تفاخر به أمام حليفها الإسرائيلي.