كشفت مصادر دبلوماسية مطلعة عن اتفاق تم التوصل إليه مؤخرًا بين دولة الإمارات والحكومة الإسرائيلية، يقضي بتمويل أبوظبي مشاريع في جنوب قطاع غزة عبر جمعية الهلال الأحمر الإماراتي بهدف تجهيز مناطق إيواء للتهجير القسري.
ويأتي هذا الاتفاق في إطار خطة إسرائيلية – إماراتية مشتركة تهدف، بحسب محللين، إلى تهيئة مناطق جنوب القطاع لاستقبال موجات تهجير قسري جديدة، بعد الدمار الواسع في شمال ووسط غزة جراء العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 22 شهرا، وذلك تمهيدا لفرض جريمة التهجير الكبرى خارج القطاع بحق الفلسطينيين.
ونشرت هيئة البث الإسرائيلية العامة أن وزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة الاحتلال رون ديرمر، ترأس وفدًا رسميًا رفيع المستوى في زيارة سرية إلى أبوظبي قبل أيام، التقى خلالها الرئيس الإماراتي محمد بن زايد وكبار مساعديه.
وجرى خلال اللقاء المذكور بحث الوضع في قطاع غزة، وسط ترتيبات عملية لتنفيذ مشاريع وصفت بأنها “إغاثية”، لكنها في الواقع تحمل بعدًا جيوسياسيًا واضحًا في إطار فرض التهجير القسري على سكان قطاع غزة.
وقد جاءت الزيارة في توقيت حساس للغاية، بينما كانت غزة ترزح تحت وطأة حرب إبادة أوقعت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال، والتلويح الإسرائيلي المستمر بشن عملية عسكرية كبرى في مدينة غزة ووسط القطاع.
ورغم الإدانات الدولية الواسعة، اختارت الإمارات المضي في مسار التطبيع وتعزيز التحالف مع إسرائيل، في خطوة وصفها مراقبون بأنها اصطفاف كامل مع المشروع الإسرائيلي – الأميركي في المنطقة.
أبرز المشاريع الممولة إماراتيًا في غزة
المشاريع التي جرى الإعلان عنها خلال الساعات الأخيرة تم تسويقها إعلاميًا على أنها استجابة عاجلة لمعاناة سكان القطاع، إلا أن مضامينها تكشف عن أهداف سياسية تتجاوز حدود العمل الإنساني:
مستشفى ميداني في رفح:
تم الإعلان عن اتفاق بين إسرائيل والإمارات لإنشاء مستشفى ميداني تابع لجمعية الهلال الأحمر الإماراتي في مدينة رفح. ويُفترض أن يقدم خدماته لعشرات الآلاف من النازحين، لكن إشراف الاحتلال المباشر على تشغيله يثير تساؤلات حول وظيفته الفعلية في سياق خطة إعادة توزيع السكان.
مشروع إمداد المواصي بالمياه:
أُعلن عن مشروع إماراتي لإمداد منطقة المواصي – التي تضم مئات آلاف النازحين – بكميات من المياه تتراوح بين 15 و20 لترًا يوميًا للفرد، أي لما يقارب 600 ألف شخص. المشروع يجري تنفيذه تحت إشراف أمني إسرائيلي مباشر، ما يجعل منه أداة لإحكام السيطرة على السكان النازحين وإدارة حياتهم وفق مخطط الاحتلال.
هذه المشاريع، التي يتم تصويرها كإغاثة إنسانية، تُستخدم عمليًا كأداة سياسية لتهيئة الأرضية لسيناريو التهجير القسري وإعادة رسم الخريطة الديموغرافية للقطاع.
البعد السياسي وراء “المشاريع الإنسانية”
بينما تحاول إسرائيل الظهور بمظهر “المستجيب لمعاناة الفلسطينيين”، فإنها في الواقع هي المسؤولة المباشرة عن المأساة الإنسانية التي تعيشها غزة.
ويؤكد مراقبون أن السماح بإقامة مشاريع بتمويل إماراتي تحت رقابة أمنية إسرائيلية يمنح الاحتلال غطاءً سياسيًا لتسويق نفسه على أنه “شريك في الحل”، فيما يواصل فرض الحصار والتجويع والقتل.
من جهتها، تلعب الإمارات دور الممول والمروج الإعلامي، عبر مؤسساتها الرسمية وقنواتها الدعائية، التي تقدم هذه المشاريع بوصفها “مبادرات إنسانية”، بينما تغيب الإشارة إلى أنها تأتي في سياق مشروع تهجير وتغيير ديموغرافي يرسمه الاحتلال بعناية.
منطقة المواصي: “محور استقرار مؤقت”
تحولت منطقة المواصي في جنوب القطاع وفق المخطط الإسرائيلي، إلى ما يشبه “محور استقرار مؤقت” لإيواء النازحين الذين تم تهجيرهم من شمال ووسط غزة.
وقد جاءت المبادرات الإماراتية لتعزيز هذا الواقع، من خلال توفير الحد الأدنى من الخدمات التي تسمح ببقاء السكان هناك على المدى المتوسط، في انتظار خطوات لاحقة قد ترسخ تقسيم القطاع إلى مناطق مفصولة عن بعضها.
وهذا التوجه لا يمكن فصله عن تصريحات إسرائيلية متكررة عن نية “إعادة تنظيم الواقع السكاني في غزة”، بما يشمل إفراغ مناطق معينة وإعادة توطين السكان في أخرى تحت السيطرة الأمنية المباشرة لجيش الاحتلال.
الإمارات.. شريك في مخطط التهجير
الاتفاق الجديد يعكس تحولًا خطيرًا في دور الإمارات من مجرد شريك تطبيعي إلى عنصر فاعل في تنفيذ أجندة الاحتلال داخل غزة.
فجمعية الهلال الأحمر الإماراتي، التي يفترض أن تكون مؤسسة إنسانية، تعمل عمليًا بتركيبة أمنية تُشرف عليها أبوظبي، ما يتيح لها لعب دور يتجاوز الإغاثة إلى خدمة سياسات إسرائيلية على الأرض.
ويشير مراقبون إلى أن هذه الخطوة تمثل تتويجًا لمسار طويل من التنسيق بين أبوظبي وتل أبيب منذ توقيع اتفاقيات التطبيع (أبراهام) عام 2020، حيث انتقل التعاون من المجال الاقتصادي والتجاري إلى الأمني والسياسي، وصولًا إلى المشاركة المباشرة في إعادة تشكيل الواقع الفلسطيني.
تداعيات إقليمية خطيرة
والمضي في هذا المسار لا يهدد فقط القضية الفلسطينية، بل يفتح الباب أمام تداعيات إقليمية واسعة. إذ يُنظر إلى الدور الإماراتي كجزء من اصطفاف إقليمي جديد تقوده الولايات المتحدة وإسرائيل، يهدف إلى إعادة ترتيب أولويات المنطقة على حساب الحقوق الفلسطينية.
كما أن تعزيز التحالف الإماراتي – الإسرائيلي في ظل حرب إبادة على غزة يوجه رسالة سلبية إلى الشعوب العربية، التي ترى في هذه الخطوات طعنة في الظهر، وتخليًا عن التزامات تاريخية تجاه فلسطين.
واللافت أن الجانب الإعلامي يحتل موقعًا محوريًا في هذه المشاريع. فالتغطية الإماراتية الرسمية تحرص على إظهار أبوظبي كمنقذ إنساني، في وقت يتجاهل فيه الإعلام الممول إماراتيًا حقيقة أن هذه المشاريع تأتي بالتنسيق الكامل مع الاحتلال وتحت إشرافه الأمني.
بهذا الشكل، يتحول الخطاب الإعلامي إلى أداة لتزييف الواقع وتجميل صورة الاحتلال، الذي يسعى إلى التملص من مسؤوليته عن الجرائم الإنسانية عبر إلقاء الضوء على “مبادرات إنسانية” شكلية.
ووسط تصاعد التحذيرات من سياسية إسرائيلية مدروسة تهدف إلى تهيئة الأرضية لسيناريو التهجير القسري وإعادة توزيع سكان قطاع غزة خارج أراضيه، تمثل الإمارات شريكًا مباشرًا في تنفيذ أجندة الاحتلال، من خلال التمويل والتسويق الإعلامي وتوفير الغطاء السياسي، فيما يتحمل الفلسطينيون وحدهم ثمن هذه الترتيبات القاسية.