حين يتناول الإعلام الغربي قضية الدين والعنف، يُوضَع الإسلام دائمًا في قفص الاتهام. تُقتطع آيات من القرآن الكريم من سياقها وتُقدَّم كدليل على “دين دموي”، بينما يُغضّ الطرف كليًّا عن نصوصٍ توراتية تحتوي على أوامر صريحة بالإبادة والقتل الجماعي.
هذا الصمت ليس بريئًا؛ فهذه النصوص هي الجذر الفكري الذي يستند إليه المشروع الصهيوني في فلسطين، وأي كشفٍ لها ينسف رواية “الديمقراطية الوحيدة” التي يروّج لها الغرب.
رؤية التوراة: شعب مختار فوق البشرية
تبدأ التوراة بمنظور استعلائي يضع “شعبًا مختارًا” في مرتبة فوق سائر الأمم:
-
- التثنية 7:6: «لأَنَّكَ أَنْتَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ. إِيَّاكَ قَدِ اخْتَارَ الرَّبُّ إِلَهُكَ لِتَكُونَ لَهُ شَعْبًا خَاصًّا فَوْقَ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ».
بل وتضع شريعةً مزدوجة في التعامل المالي:
-
- التثنية 23:20: «لِلأَجْنَبِيِّ تُقْرِضُ بِرِبًا، وَلكِنْ لأَخِيكَ لاَ تُقْرِضْ بِرِبًا».
عدالة داخلية، واستغلال مُباح تجاه الآخر.
أوامر الإرهاب والإبادة
لا تقتصر التوراة على التمييز، بل تأمر صراحةً بالإبادة الشاملة:
-
- التثنية 7:1–2: «مَتَى أَدْخَلَكَ الرَّبُّ إِلَهُكَ الأَرْضَ… وَدَفَعَ أُمَمًا كَثِيرَةً مِنْ أَمَامِكَ… وَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ إِلَهُكَ أَمَامَكَ وَضَرَبْتَهُمْ، فَإِنَّكَ تُحَرِّمُهُمْ. لاَ تَقْطَعْ لَهُمْ عَهْدًا وَلاَ تَشْفِقْ عَلَيْهِمْ».
-
- التثنية 20:16–18: «وَأَمَّا مُدُنُ هَؤُلاَءِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلَهُكَ نَصِيبًا فَلاَ تُبْقِ حَيًّا مِمَّا يَتَنَفَّسُ. بَلْ تُحَرِّمُهُمْ تَحْرِيمًا… كَمَا أَمَرَكَ الرَّبُّ إِلَهُكَ».
-
- صموئيل الأول 15:3: «فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلاً وَحِمَارًا».
هذه نصوص تُشرعن الإرهاب والإبادة الجماعية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ولو وُجدت في القرآن لكانت تُتلى صباح مساء في الإعلام الغربي.
من النص إلى السياسات الصهيونية
الأخطر أن هذه النصوص ليست مجرد ماضٍ غابر؛ بل هي المرجع المباشر للخطاب الصهيوني المعاصر.
-
- وزيرة القضاء الإسرائيلية السابقة أييليت شاكيد وصفت الأطفال الفلسطينيين بأنهم “أفاعٍ صغيرة” ينبغي التخلص منها.
-
- الحاخام المتطرف يتسحاق شابيرا ألّف كتابًا بعنوان “توراة الملك” يبيح فيه قتل غير اليهود، حتى الرضّع، إن عُدّوا “تهديدًا مستقبليًا”.
هذه ليست شذوذات، بل امتداد حرفي للنصوص التوراتية.
الإسلام: رحمة وعدل وضوابط حرب
في المقابل، يضع الإسلام قيودًا صارمة على الحرب:
-
- {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (المائدة: 32).
-
- {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة: 256).
-
- {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107).
ونهى النبي ﷺ عن قتل النساء والأطفال والرهبان أو تخريب المزروعات.
الفرق صارخ: التوراة تشرعن الإبادة، بينما الإسلام يرسّخ الرحمة والعدل.
ازدواجية الإعلام الغربي
لماذا يصمت الإعلام عن هذه النصوص؟
-
- حماية صورة “الأديان المؤسسة”: اليهودية والمسيحية تُقدَّمان كأديان الحضارة، بينما يُصوَّر الإسلام كدين العنف.
-
- هيمنة اللوبي الصهيوني: كشف هذه النصوص ينسف شرعية إسرائيل الأخلاقية.
-
- استمرار السردية الاستعمارية: الغرب يحتاج “أسطورة المظلومية اليهودية” لتبرير زرع الكيان الصهيوني.
ولهذا، تُجتزأ آيات القرآن، بينما يُترك النص التوراتي بمنأى عن أي مساءلة.
غزة: حين يتحوّل النص إلى مجزرة
ما يجري في غزة اليوم من قتل جماعي وتجويع وتدمير ممنهج ليس مجرد تكتيك عسكري؛ بل هو تجسيد حيّ لأوامر التوراة: «لا تُبقِ حيًّا مِمَّا يَتَنَفَّسُ».
عندما يتحدث نتنياهو أو بن غفير عن “محو” غزة، فهم في الحقيقة يُعيدون إنتاج نصوصهم المقدسة.
خلاصة
الحقيقة التي يتجاهلها الإعلام: التوراة مليئة بأوامر الإرهاب والإبادة. هذه النصوص تشكّل البنية العقائدية للمشروع الصهيوني، لكنها لا تُناقش علنًا لأن كشفها يهدم دعائم “الشرعية الأخلاقية” لإسرائيل.
من يريد مواجهة “العنف الديني” بصدق، فعليه أن يبدأ بالنظر إلى التوراة، لا بتشويه صورة الإسلام.