رغم الأجواء المتوترة والتحذيرات الأمنية الصادرة من أعلى المستويات في تل أبيب، يواصل الإسرائيليون التوافد بكثافة إلى إمارة دبي في دولة الإمارات، متجاهلين تحذيرات السفر الرسمية، ومؤكدين في الوقت نفسه على جاذبية هذه الوجهة السياحية لهم.
وأشار موقع قناة “i24news” العبرية إلى أن هذا التوافد المتواصل يأتي بعد أيام فقط من بدء إسرائيل خطوات لإجلاء جزء كبير من بعثتها الدبلوماسية في أبوظبي، على خلفية مخاوف أمنية متزايدة، وتهديدات قالت تل أبيب إنها تُمثل “خطرًا حقيقياً” على حياة الإسرائيليين في الإمارات.
تحذيرات أمنية واستدعاء السفير
بحسب “i24news”، فإن استدعاء السفير الإسرائيلي لدى الإمارات، يوسي شيلي، وعدد من كبار موظفي السفارة، جرى في أعقاب تحذيرات استخبارية بشأن “هجمات انتقامية محتملة من قبل جماعات إرهابية” قد تستهدف الإسرائيليين في الخليج، خاصة في ظل التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة، والرفض الشعبي العربي المتصاعد للتطبيع.
ورغم تأكيد وزارة الخارجية الإسرائيلية أن بعثتها الدبلوماسية في الإمارات لا تزال “مفتوحة”، فإنها لم تنفِ تقليص طاقمها أو خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي مؤقتًا، ضمن ما وصفته بـ”الإجراءات الاحترازية”.
وكان مجلس الأمن القومي الإسرائيلي قد أصدر يوم الخميس تحذيراً من المستوى الثالث للإسرائيليين المتجهين إلى الإمارات، وهو مستوى يدعو لتجنب السفر غير الضروري، مشيراً إلى “مخاطر متزايدة من قبل جماعات معادية تسعى لاستهداف الإسرائيليين، خاصة خلال المناسبات الدينية والعطلات”.
جاذبية دبي تتحدى القلق
رغم هذه التحذيرات، لا تزال الرحلات الجوية بين مطار بن غوريون في تل أبيب ومطار دبي الدولي مزدحمة. وأظهرت مشاهد بثها موقع “i24news” طوابير طويلة عند بوابات السفر، حيث بدا المسافرون الإسرائيليون في حالة من التردد بين القلق المشروع والإثارة المرتبطة بالسفر إلى دبي، الوجهة التي تحظى بشعبية متزايدة لديهم منذ اتفاقات التطبيع.
وأشار الموقع إلى أن الكثير من المستخدمين الإسرائيليين على مجموعات “فيسبوك” الخاصة بالجالية الإسرائيلية في الإمارات تبادلوا النقاشات الحادة حول الأوضاع الأمنية، حيث نصح البعض بتقليل مدة الإقامة أو الابتعاد عن الأماكن العامة المزدحمة، في حين أصر آخرون على عدم التراجع عن خططهم لقضاء عطلات الصيف في دبي.
ويقول أحد المسافرين للموقع: “نحن نتابع الأخبار، لكن الأجواء على الأرض لا تبدو خطيرة كما يقال. دبي ما تزال آمنة نسبياً، ونأمل أن تستمر كذلك”.
الجدل حول السفير: سلوك غير لائق ومطالبة بالمغادرة
التحذيرات الأمنية لم تكن العامل الوحيد الذي فاقم الأزمة. فقد كشفت وسائل إعلام عبرية عن تصاعد الخلافات بين الإمارات والحكومة الإسرائيلية، على خلفية ما وُصف بـ”سلوك غير لائق” من قبل السفير الإسرائيلي في أبوظبي، يوسي شيلي.
وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن القيادة الإماراتية، بما في ذلك الرئيس محمد بن زايد، أبلغت الحكومة الإسرائيلية عن عدم رضاها تجاه تصرفات السفير، مطالبة بإنهاء مهامه الدبلوماسية.
ونقلت القناة 12 العبرية عن مصادر مطلعة أن السلطات الإماراتية أعربت عبر قنوات غير رسمية عن رفضها لبقاء شيلي في منصبه، معتبرة أن سلوكه “لا ينسجم مع الأعراف الدبلوماسية”، دون أن توضح طبيعة هذه التصرفات بشكل دقيق.
وبحسب التقارير، فإن الحكومة الإسرائيلية تجاهلت في البداية المطالب الإماراتية، لكن مقربين من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بدأوا مؤخراً بالبحث عن موقع بديل لشيلي داخل الحكومة أو السلك الدبلوماسي، تحضيرًا لاحتمال سحبه من منصبه الحالي.
خلفيات توتر دبلوماسي أعمق
تجدر الإشارة إلى أن الإمارات كانت قد رفضت العام الماضي تعيين يوسي شيلي سفيرًا، بسبب شبهات سابقة تتعلق بأدائه في مناصب دبلوماسية، خصوصًا حين كان سفيرًا في البرازيل. لكن نتنياهو أصر على تعيينه، متحديًا التحفظات الإماراتية، ما أدى إلى بداية مضطربة لعلاقة السفير مع مضيفيه في أبوظبي.
وتُعد هذه الأزمة الأحدث في سلسلة مؤشرات على توتر غير معلن بين الإمارات و”إسرائيل”، على الرغم من استمرار العلاقات الاقتصادية والسياحية.
وفي ظل هذا المشهد المعقّد، يبرز سؤال محوري: هل تستمر العلاقة بين الإمارات وإسرائيل على نفس المنوال، أم أن تراكم الأزمات، من تدهور الصورة الشعبية للتطبيع إلى الخلافات الدبلوماسية والتهديدات الأمنية، سيقود إلى مرحلة جديدة أكثر تحفظاً؟
حتى الآن، يبدو أن السياحة الإسرائيلية إلى دبي ما تزال صامدة، لكنها تُبحر في مياه متقلبة. وربما يكون الصيف الحالي هو الاختبار الأوضح لمدى صلابة هذا الجسر الذي بُني في أعقاب “اتفاق أبراهام” – جسرٌ قد تُقوّضه تحولات الإقليم، أو ربما تصمده المصالح الاقتصادية المشتركة.