وَأَمَّا زُهْدُهُ فِي الدُّنْيَا فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَخْبَارِ أَثْنَاءَ هذا الموقع مَا يُشبع، وَحَسْبُكَ مِنْ تَقَلُّلِهِ مِنْهَا وَإِعْرَاضِهِ عَنْ زَهْرَتِهَا، وَقَدْ سِيقَتْ إلَيْهِ بِحَذَافِيرِهَا وَتَرَادَفَتْ عَلَيْهِ فُتُوحُهَا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٌّ فِي نَفَقَةِ عِيَالِهِ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ (اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا) *
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ الْعَاصِي وَالْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ والْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الرَّازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْجُلُودِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنَا أبو بكر ابن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا مِنْ خُبْزٍ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، وَفِي روَايَةٍ أُخْرَى مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ وَلَوْ شَاءَ لأعْطَاهُ اللَّهُ مَا لا يَخْطُرُ بِبَالٍ،
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: مَا شَبِعَ آلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزِ بُرٍّ حَتَّى لَقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا، وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا سِلَاحَهُ وَبَغْلَتَهُ وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَلَقَدْ مَاتَ وَمَا فِي بيتى شئ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَطْرَ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي وَقَالَ لِي (إِنَّي عُرِضَ عَلَيَّ أَنْ يُجْعَلَ لِي بَطْحَاءُ مَكَّةَ ذَهَبًا فَقُلْتُ لَا يَا رَبِّ أَجُوعُ يَوْمًا وَأَشْبَعُ يَوْمًا فَأَمَّا الْيَوْمَ الَّذِي أَجُوعُ فِيهِ فَأَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ وَأَدْعُوكَ وَأَمَّا الْيَوْمَ الَّذِي أَشْبَعُ فِيهِ فَأَحْمَدُكَ وَأُثْنِي عَلَيْكَ)
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ (أَتُحِبُّ أَنْ أَجْعَلَ هَذِهِ الْجِبَالَ ذَهَبًا وَتَكُونَ مَعَكَ حَيْثُمَا كُنْتَ؟) فَأَطْرَقَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ (يَا جِبْرِيلُ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ وَمَالُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ قَدْ يَجْمَعُهَا مَنْ لَا عقْلَ لَهُ) فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ ثَبَّتَكَ اللَّهُ يَا مُحَمَّدُ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ،
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: إِنْ كُنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَنَمْكُثُ شَهْرًا مَا نَسْتَوْقِدُ نَارًا إِنْ هُوَ إِلَّا التَّمْرُ وَالْمَاءُ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ هَلَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَشْبَعْ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ، وَعَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَبِيتُ هُوَ وَأَهْلُهُ اللَّيَالِيَ الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا لَا يَجِدُونَ عَشَاءً، وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا أَكَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى خُوَانٍ وَلَا فِي سُكُرُّجَةٍ وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ وَلَا رَأَى شَاةً سَمِيطًا قَطُّ،
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِنَّمَا كَانَ فِرَاشُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ أَدَمًا حَشْوُهُ لِيفٌ، وَعَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ مِسْحًا نَثْنِيهِ ثِنْتَيْنِ فينام عليه فَثَنَيْنَاهُ لَهُ لَيْلَةً بِأَرْبَعٍ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: ما فرشتموا لِي اللَّيْلَةَ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ رُدُّوهُ بِحَالِهِ فَإِنَّ وَطْأَتَهُ مَنَعَتْنِي اللَّيْلَةَ صَلَاتِي وَكَانَ يَنَامُ أَحْيَانًا عَلَى سَرِيرٍ مَزْمُولٍ بِشَريطٍ حَتَّى يُؤَثِّرَ فِي جَنْبِهِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لم يمتلى جَوْفُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم شِبَعًا قَطُّ وَلَمْ يَبُثَّ شَكْوَى إِلَى أَحَدٍ وَكَانَتَ الْفَاقَةُ أَحَبَّ إليْهِ مِنَ الْغِنَى وَإِنْ كَانَ لَيَظَلُّ جائعا ليلتوى طُولَ لَيْلَتِهِ مِنَ الْجُوعِ فَلَا يَمْنَعُهُ صِيَامَ يَوْمِهِ وَلَوْ شَاءَ سَأَلَ رَبَّهُ جميع كنور الْأَرْضِ وَثِمَارِهَا وَرَغَدَ عَيْشِهَا وَلَقَدْ كُنْتُ أَبْكِي لَهُ رَحْمَةً مِمَّا أرَى بِهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِي عَلَى بَطْنِهِ مِمَّا بِهِ مِنَ الْجُوعِ وَأَقُولُ نَفْسِي لَكَ الْفِدَاءُ لَوْ تَبَلَّغْتَ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا يَقُوتُكَ فَيَقُولُ (يَا عَائِشَةُ مالى وَلِلدُّنْيَا؟ إِخْوَانِي مِنْ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ صَبَرُوا عَلَى مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا فَمَضَوْا عَلَى حَالِهِمْ فَقَدِمُوا عَلَى رَبِّهِمْ فَأَكْرَمَ مَآبَهُمْ وَأَجْزَلَ ثَوَابَهُمْ فَأَجِدُنِي أَسْتَحْيِي إِنْ تَرَفَّهْتُ فِي مَعِيشَتِي أَنْ يُقَصَّرَ بِي غَدًا دُونَهُمْ وَمَا من شئ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ اللُّحُوقِ بِإِخْوَانِي وَأَخِلَّائِي، قَالَتْ فَمَا أَقَامَ بَعْدُ إِلَّا شَهْرًا حَتَّى تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.