منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم تكتف إسرائيل بالقصف والدمار، بل شنت ما يصفه خبراء حقوق الإنسان بـ”حرب تجويع ممنهجة” تستهدف المدنيين العزل في القطاع المحاصر.
ومع تصاعد التحذيرات من وكالات أممية وحقوقية، تتكشف أبعاد هذا السلاح الخفي الذي يتم استخدامه بكفاءة قاتلة، بمشاركة وتواطؤ أطراف دولية نافذة، في مقدمتها الولايات المتحدة والإمارات.
ولم يكن الحصار الإسرائيلي الجديد مجرد إجراء أمني، بل اتخذ أبعادًا إبادة جماعية واضحة. فبحسب تقارير موثقة، منعت إسرائيل بشكل متعمد دخول الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع، وهو ما تسبب في كارثة إنسانية شاملة.
ووصفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” السياسات الإسرائيلية بأنها “جريمة إبادة جماعية عبر التجويع”، مشيرة إلى أن الهدف يتجاوز العقاب الجماعي، ليصل إلى تهجير السكان قسرًا أو تركهم يموتون ببطء.
الولايات المتحدة: المُمَكِّن الرئيسي
في قلب هذه المأساة، تقف الولايات المتحدة بوصفها الداعم السياسي واللوجستي الأول لإسرائيل، ولكنها ذهبت أبعد من ذلك. فقد قامت واشنطن بتمويل ما يُعرف بـ”مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF)، وهي شبكة مساعدات بديلة تُدار تحت إشراف إسرائيلي أمريكي مشترك.
ووفقًا لمسؤولين أمميين، فإن هذه المؤسسة ليست سوى “غطاء للمزيد من النزوح”، إذ تتحول مواقعها إلى أفخاخ قاتلة يلقى فيها المدنيون مصرعهم أثناء محاولاتهم الحصول على الطعام.
وقد قُتل هذا الأسبوع وحده أكثر من 70 فلسطينيًا وأُصيب أكثر من 120 آخرين، أثناء تواجدهم في طوابير توزيع المساعدات قرب نقاط تابعة لـ GHF. منظمة العفو الدولية وصفت هذه المراكز بأنها “استخدام للتجويع كسلاح حرب”، ودعت إلى تفكيكها فورًا.
تستر أمريكي ورقابة مشددة
تتعمق الأزمة مع ورود معلومات عن ضغوط أمريكية لمنع الكشف عن الأوضاع الكارثية في غزة. فقد كشفت تقارير صادرة عن موظفين سابقين أن دبلوماسيين أمريكيين أُمروا بالتقليل من شأن حالات الوفاة بسبب الجوع في تقاريرهم الرسمية.
كما تم سحب تحذير من المجاعة الشاملة كان من المقرر أن تصدره الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، بعد ضغوط من البيت الأبيض.
الإمارات: دور تكميلي في هندسة الحصار
في مشهدٍ متوازٍ، تلعب الإمارات دورًا محوريًا لا يقل خطورة. ففي مايو/أيار 2025، توسطت أبوظبي في اتفاق مع إسرائيل لتسهيل عبور المساعدات، ضمن ما سُمّي “ممر المساعدات العالمي”.
غير أن هذا المسار أثبت أنه ليس أكثر من وسيلة لتجميل الحصار وإدامته، حيث تم استخدامه لشرعنة سياسات إسرائيل في فرض الحصار الغذائي.
ويعزز تصنيف الإمارات كـ”شريك دفاعي رئيسي” للولايات المتحدة من الشكوك حول دورها الأمني في دعم هذا النهج، لا سيما في ظل علاقاتها الوثيقة بأجهزة الأمن الإسرائيلية.
أرقام مرعبة وخطر المجاعة الشاملة
النتائج لا تقبل الجدل: أكثر من 60 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حاد، في حين يواجه ما يزيد عن 500 ألف فلسطيني خطر الموت الوشيك جوعًا.
وتُحذّر منظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي من أن استمرار هذا الوضع سيقود إلى “مجاعة شاملة لا سابق لها في العصر الحديث”.
وفي ظل هذا الوضع الكارثي، لا تزال مئات الشاحنات المحمّلة بالمساعدات عالقة على المعابر، في وقت تُمنع فيه منظمات الإغاثة الدولية من العمل بحرية داخل القطاع.
المسؤولية الأخلاقية والقانونية
لا يمكن تجاهل التواطؤ المتعمد لكل من الولايات المتحدة والإمارات في هذه الحرب الخفية. فوفقًا لخبراء القانون الدولي، فإن استخدام التجويع كأداة حرب يُعد جريمة حرب موثقة بموجب اتفاقيات جنيف. كما أن تسييس المساعدات وتحويلها إلى أدوات عسكرية يُقوض جوهر القانون الإنساني الدولي.
يقول أحد خبراء الأمم المتحدة: “ما يجري في غزة ليس مجرد أزمة إغاثة. إنها جريمة متكاملة الأركان تشترك فيها قوى كبرى، تُستخدم فيها المساعدات كقنابل غير مرئية”.
وفي ظل هذه الانتهاكات الصارخة، تتعالى الدعوات لمحاسبة المسؤولين عن هذه السياسات وتجريم استخدام التجويع كسلاح عبر سحب الدعم الأمريكي والإماراتي عن مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) وفتح ممرات إنسانية محايدة تحت إشراف الأمم المتحدة.