في عالم يدّعي فيه الغرب الدفاع عن قدسية حقوق الإنسان وحرية التعبير والمساواة، تبرز مفارقة صارخة: الكوفية الفلسطينية تُجرّم، بينما يُحتفى بعلم قوس قزح للمثليين. رمز يُراقَب، وآخر يُمجَّد. والمفارقة ليست فقط سياسية — بل أخلاقية، واستراتيجية، وكاشفة بعمق.
لطالما نصّب الغرب نفسه حَكَمًا أخلاقيًا للعالم، يُعلّم غيره كيف يتحدث، ويصوّت، ويحب. لكن حين يتعلق الأمر بالعرب، بالمسلمين، وبالأخص الفلسطينيين، ينهار الحياد المزعوم. لتحلّ محله ازدواجية معايير تُشكّلها المصالح والتحالفات، لا المبادئ.
الكوفية: رمز مقاومة يُجرّم
الكوفية الفلسطينية — هذا القماش الأبيض والأسود — بات رمزًا للمقاومة والكرامة والذاكرة في وجه الاحتلال. ارتداها الفلاح والمقاتل والطالب، وهي تُجسّد صراعًا إنسانيًا وتاريخيًا.
ومع ذلك، تُعامل في العديد من الدول الغربية كتهديد.
في سيدني بأستراليا، طُلِب من طلاب مدرسة Condell Park خلع الكوفية في حفل التخرج لأسباب “أمنية”. في شيكاغو، تم تأديب موظفي متجر Apple بسبب ارتدائهم الكوفية أو تعبيرهم عن تضامنهم مع فلسطين. في نيويورك، استقال موظفو متحف Noguchi بعد أن طُلب منهم عدم ارتداء الكوفية أثناء العمل. حتى في تونس، مُنع الطلاب من ارتدائها أثناء الامتحانات — مما أثار سخطًا شعبيًا.
هذه ليست حوادث فردية. بل جزء من رفض غربي لرؤية الفلسطيني. فبينما تُحتفى رموز الهوية الأوكرانية أو المثلية كحرية تعبير، تُصنّف الكوفية كخطر. لماذا؟ لأنها تُهدد السردية التي يروّجها الإمبراطور.
علم قوس قزح: من هوية هامشية إلى شعار رسمي
في المقابل، أصبح علم المثليين رمزًا عالميًا للتقدّمية. في العواصم الغربية، لا يُسمح به فقط — بل يُرفع على السفارات والمباني الحكومية والقواعد العسكرية. في عام 2025، اعتمدت مدن مثل Salt Lake City وBoise في الولايات المتحدة علم المثليين كرمز رسمي، متحدّين قوانين الولاية.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
في مسابقة يوروفيجن 2024، مُنعت الأعلام الفلسطينية على المسرح بينما سُمح للجمهور برفع أعلام المثليين دون قيود. في الأمم المتحدة، وقمم الناتو، والمدارس العامة، أصبح قوس قزح جزءًا من هوية المؤسسات.
هذا لا يتعلّق بالتسامح فقط. بل بفرض أيديولوجي.
التورط الصهيوني: الورقة الوردية لتبرير الاحتلال
هنا يظهر مفهوم التجميل الوردي (Pinkwashing) — وهي استراتيجية دعائية تستخدم فيها بعض الدول، وعلى رأسها إسرائيل، حقوق المثليين كغطاء دعائي للتغطية على انتهاكات حقوق الإنسان.
تُقدّم إسرائيل نفسها كواحة للمثليين في منطقة تُصوَّر على أنها “متخلفة”، بينما تقصف غزة، وتُهدم منازل الفلسطينيين بجرافات أمريكية. في تل أبيب، تُرفع أعلام المثليين عالياً، بينما في غزة تُدفن العائلات تحت الركام.
هذا ليس عرضيًا. بل مخطّط.
من خلال الترويج لحقوق المثليين، تسعى إسرائيل لكسب الشرعية في دوائر الغرب الليبرالي، وتقديم نفسها كدولة “تقدمية”، بينما تتعمق في الاحتلال. وفي المقابل، يُصوَّر الفلسطينيون، كمسلمين ومحافظين، على أنهم الجانب “الرجعي”. وهكذا، يُشوَّه من يعارض إسرائيل، ويُدمغ بـ”رهاب المثليين” أو “معاداة السامية”.
هذا الخطاب وجد صداه في الإعلام الغربي، وهوليوود، والجامعات، حيث أصبح نقد إسرائيل جريمة فكرية.
حرب الرموز: من يتحكم بالوعي؟
هذا التباين في التعامل مع الرموز ليس فقط نفاقًا — بل أداة حرب ناعمة. من خلال تمجيد علم المثليين وتجريم الكوفية، يُعاد تشكيل وعي الجماهير عالميًا: هذه هوية “حضارية”، وتلك هوية “متطرفة”.
ويُخدم هذا المخطط أهدافًا متعددة:
- تعزيز الهيمنة الأيديولوجية الغربية.
- تغطية جرائم الاحتلال بقناع “التقدمية”.
- تفتيت وحدة المسلمين والعرب عبر استغلال الانقسامات الثقافية.
وفي ذات الوقت، يُقصَف الأبرياء في اليمن، ويُحرّم الحجاب في أوروبا، بينما يُفرض منهاج المثلية في المدارس.
الحرية، على ما يبدو، ليست إلا لمن يخدم الرواية.
وضوح الإسلام في زمن التشويش
يجب أن يُقال بوضوح: الإسلام لا يقر أيديولوجيا الشذوذ الجنسي، ولا يقبل بالميوعة الأخلاقية. الموقف الإسلامي واضح — في الفطرة، والأسرة، والجنس، والحشمة.
لكن رفضنا لأيديولوجيا المثليين لا يعني حرماننا من حقوقنا. بل العكس: الإسلام يُرسّخ الكرامة والعدالة بأوضح مما يفعل الغرب المأزوم.
أن تُحرَّم الكوفية — رمز الكرامة — وتُرفع راية الفجور — ليس حيادًا. بل خيانة.
ويجب على المسلمين تسميتها باسمها.
الختام: رموزنا مقاومة
في عصر الهويات المسلّحة، الصمت هزيمة. لسنا بحاجة لشرعية الغرب للدفاع عن فلسطين. ولسنا بحاجة لمفاهيمهم لتحديد الحق.
الكوفية ستبقى راية المظلوم.
وعلم المثليين؟ راية استعمار أيديولوجي.
فلْيعلم العالم: نحن نرى ألوانكم — ونفاقكم.