١. خضوع التريليون دولار: زيارة ترامب وطقوس الولاء الخليجي
حين حطَّ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الخليج، لم يكن يزور حلفاء، بل جاء لجمع الجزية.
تجاوزت قيمة الصفقات الموقعة في السعودية والإمارات وقطر حاجز التريليون دولار — تضمنت مشتريات أسلحة، واتفاقيات بنية تحتية، وشراكات طاقة، وصفقات دفاعية. وكانت الصورة واضحة: حكام الخليج ليسوا قادةً مستقلين، بل عملاء يؤكدون تبعيتهم.
وقد عبّر ترامب عن هذه الحقيقة صراحة: “لولا الولايات المتحدة، لما صمدوا لأسبوع واحد.”
لم تكن هذه مجرد تفاخر. بل حقيقة تاريخية.
منذ سقوط الخلافة العثمانية، عملت القوى الغربية — بدايةً مع بريطانيا، ثم أمريكا — على صياغة منظومة من الممالك الخليجية لا هدف لها سوى الطاعة. النفط في باطن الأرض لم يكن ملكهم. بل ضمانة. القصور التي يقطنونها ليست حصونًا، بل صالات عرض للإمبراطورية.
من لحظة تخليهم عن إسطنبول وارتمائهم في حضن لندن، كانت أنظمتهم مشروطة بالرضا الغربي. ما قاله ترامب في ٢٠٢٤ تكرار لما أعلنه روزفلت في ١٩٤٥ على متن البارجة كوينسي: ما دام النفط يتدفق، فالعروش قائمة. وإن عصوا، فالبديل جاهز.
التصفيق الذي رافق توقيع تلك الاتفاقيات لم يكن نصراً. بل تجديدًا للعهد بالعبودية — ممهورًا بالذهب، وموقّعًا بصواريخ F-35.
٢. تُقصف غزة، ويدفع الخليج الفاتورة
على بُعد مئات الأميال غربًا، تحترق غزة.
بينما يحتسي الأمراء قهوتهم في مجالس الرياض وأبوظبي، تُسقِط إسرائيل قنابل أميركية الصنع فوق منازل الفلسطينيين. والعالم يتفرج — مروعًا، أو متبلدًا، أو متواطئًا.
القنابل التي تمطر غزة تُصنع في تكساس، وتُموَّل من الضرائب الأميركية، وتُجيزها قرارات الكونغرس بالإجماع. بحسب تقارير منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، تشمل الأسلحة قنابل GBU-39، ومقاتلات F-16، وصواريخ موجهة بالليزر — جميعها ضمن صفقات دعم عسكري معلن.
لكن ثمة تمويلًا غير مباشر: عبر ربط العملات الخليجية بالدولار، وتصدير النفط بالدولار، وضخ مليارات في شركات الدفاع والتكنولوجيا الأميركية، يضمن الخليج بقاء الهيمنة العسكرية الأميركية — ومن ثم الحصانة الإسرائيلية.
لم يُصدِر أي زعيم خليجي قرارًا واحدًا بمعاقبة إسرائيل. لا مقاطعة، ولا حظر، ولا عقوبات. بل على العكس، تتوالى خطوات التطبيع.
السعودية تفتح أجواءها للطائرات الإسرائيلية. الإمارات والبحرين تستقبل سفراء تل أبيب. في ٢٠٢٢، جلس وزراء عرب جنبًا إلى جنب مع قادة إسرائيل في قمة النقب — بعد أيام فقط من اقتحام الأقصى.
ليست مفارقة. بل تطابق.
الخليج يُموّل الإمبراطورية. الإمبراطورية تُسلّح إسرائيل. وإسرائيل تُبيد الأمة.
٣. المخطط: من نصوص اليهود إلى هندسة الماسونية
أ) النبوءة اليهودية: حكم عالمي من عرش صهيون
لفهم التوسع الإسرائيلي، لا بد من إدراك العقيدة التي تحركه. فالصهيونية، خصوصًا تيارها الديني، تستمد جذورها من نصوص التوراة، والتلمود، والقبّالة.
في التلمود (سنهدرين 57أ)، يُعتبر غير اليهود بلا حرمة قانونية: “لا يُدان اليهودي إذا قتل غير اليهودي.” في بابا كما 113أ، يُسمح لليهودي بخداع غير اليهودي في المعاملات. أما الزوهار، النص المركزي في القبّالة، فيصف العرب بأنهم “حمير المسيح”، خُلقوا لخدمة شعب الله المختار.
في مشناه التوراة للإمام موسى بن ميمون، يتحدث عن وجوب بناء الهيكل الثالث وعودة الذبائح — وهي رؤية تتبناها حركات إسرائيلية واسعة اليوم. ويستشهد الصهاينة الدينيون بآيات مثل التثنية 20:16-18: “لا تُبقِ منهم نسمةً حية.”
في كتاب توراة الملك للحاخام يتسحاق شابيرا، يُجاز قتل أطفال غير اليهود إن كانوا يشكلون “خطرًا مستقبليًا” على اليهود، حتى وإن كان ذلك محتملاً.
الحاخام يتسحاق غينزبورغ قال ذات مرة: “لو احتاج اليهودي كبدًا، هل يجوز أخذ كبد غير يهودي بريء؟ ربما يُجيز التوراة ذلك.”
هذه ليست أقوالًا معزولة. بل تُترجم إلى سياسة.
في ٢٠٢٣، قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير: “حياة جنودنا أهم من حياة مدنيي غزة.”
العقيدة واضحة: الأرض لنا. وغير اليهود يُسمح لهم بالبقاء فيها فقط خاضعين.
ليست ديمقراطية. بل أبارتهايد ديني.
ب) الماسونية والنظام العالمي الجديد: هندسة لا خيال
الماسونية — رغم تشكيك البعض — حركة ذات جذور عميقة في التنوير الأوروبي، والتصوف الوثني، والأساطير البابلية. نجحت في زرع نفوذها في السياسة، والاقتصاد، والفكر — وكل ذلك تحت غطاء من الرموز والغموض.
في عام ١٨٧١، كتب ألبرت بايك، أحد قادة الماسونية، رسالة شهيرة (محفوظة في متحف لندن) تنبأ فيها بثلاث حروب عالمية:
١. الأولى لتدمير روسيا القيصرية وإقامة الشيوعية. ٢. الثانية لإنهاء الفاشية وتعزيز الصهيونية. ٣. الثالثة: صدام بين الإسلام والصهيونية السياسية، يعقبه فوضى شاملة تؤسس لنظام لوسيفري عالمي.
سواء كانت النبوءة حقيقية أو مُفبركة، فقد تحققت الحروب الثلاث بأدق التفاصيل.
في فلسفة الماسونية، النظام ينبثق من الفوضى (Ordo ab Chao). بإسقاط الدين، وتحطيم الدول، وتوحيد السلطة، تُبنى هيكلية عالمية مركزها الروحي القدس.
والدور الخليجي؟ التمويل.
غالبية الملوك والأمراء جاؤوا على ظهر الدبابة البريطانية بعد الحرب العالمية الأولى. أنظمتهم محكومة باتفاقيات نفط، وحماية عسكرية، وروابط نُخبوية — كثير منها يرتبط بالمحافل الماسونية.
نيوم، المدينة الذكية السعودية، تجسيد حي لهذا المشروع. بُنيت بتقنيات إسرائيلية، وبدعم من المنتدى الاقتصادي العالمي، وتتبنى هوية ما بعد الدين. شعارها، معمارها، ورؤيتها كلها تُحاكي الرموز الماسونية.
اتفاقيات إبراهيم، التي وقعتها الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، ليست فقط سياسية. بل خضوع روحي — تضع القدس كعاصمة لديانة مُخترَعة، لا إسلامية ولا مسيحية.
هذا ليس تعايشًا. بل انصهارًا.
الملوك الذين يصافحون بن غفير ويُفاخرون بالتطبيع، إنما يطعنون كتاب الله، ويخونون أمة محمد ﷺ.
٤. التحليل: ليست فوضى — بل إنجاز مُكتمل
ما نشهده ليس سقوطًا عشوائيًا. بل تنفيذٌ مُمنهجٌ لسيناريو قديم — كُتب في النصوص، وتُرجِم إلى الواقع.
زيارة ترامب، تصريحه المتغطرس، صفقات التطبيع، مشاريع نيوم، اقتحامات الأقصى، وحصار غزة — كلها فصول من مخطوط واحد.
ذلك المخطوط كُتب في أسفار التلمود، ومواثيق الماسونية، وبيانات الصهيونية.
إنه عالم تُكسر فيه رايات الإسلام، ويُشترى فيه الحكام بالدولار، وتُغتال فيه الكلمة بالذل.
لكن هذا النظام لا يقوم إلا بطاعتك له.
كُن أنت العاصي عليه. تكن أنت أول المُحرِّرين.
٥. القرآن سبق التحذير
القرآن ليس كتاب رمزية. بل مرآةٌ لحاضرنا.
“لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا…” — المائدة ٨٢
“ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا…” — البقرة ٢١٧
“ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية…” — النساء ٧٧
وحذرنا النبي ﷺ:
“يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها…”
“أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل…”
لكنه وعد أيضًا:
“لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم…”
هذه الطائفة ليست في القصور.
وليست في تل أبيب ولا الرياض.
إنها في أنفاق غزة، وجبال اليمن، وكل قلب أبى أن يسجد للباطل.