غالبًا ما يُصوَّر الاحتلال الصهيوني لفلسطين على أنه صراع جيوسياسي — نزاع حول الأرض والحدود والسيادة. لكن خلف الحواجز العسكرية والغارات الجوية، هناك تيار أعمق وأقدم بكثير: أيديولوجيا دينية.
هذه ليست نظرية مؤامرة. بل اعتراف — ليس اعترافنا، بل اعترافهم.
إن جذور الفصل العنصري في إسرائيل ليست سياسية فقط، بل لاهوتية. ولكي نفهم دوافع التوسع الإسرائيلي، والتفوق العرقي، وتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، علينا أن نواجه النصوص المقدسة والتفاسير الحاخامية والأطر العقائدية التي جعلت ذلك لا مقبولًا فقط — بل “أمرًا إلهيًا”.
أولًا: نظرة التلمود إلى “الآخر”
يُعد التلمود من أهم مصادر الشريعة اليهودية الربانية، ويحتوي على طبقات من الأحكام والتفاسير والنصوص العقائدية. من بينها نصوص تصف كيفية تعامل اليهود مع غيرهم من البشر — خاصةً الغوييم (الأمم)، وهو مصطلح يشمل العرب والمسلمين وسواهم.
بعض الأمثلة:
“حتى أفضل الغوييم يجب قتله.” — التلمود البابلي، سفر سفيريم 15:10
“يجوز لليهودي أن يسرق من غير اليهودي، ويغشه في المعاملات.” — بابا كما 113أ
“لا يُدان اليهودي إذا قتل غير يهودي.” — سنهدرين 57أ
هذه النصوص ليست هامشية، بل تُدرس في المعاهد الدينية (يشيفوت)، وتُشرح من قبل كبار الحاخامات، واستُشهد بها لتأسيس الركائز العقائدية للصهيونية الحديثة.
ورغم رفض كثير من اليهود المعاصرين لهذه النصوص أو إعادة تأويلها، فإن هذه التعاليم ما زالت تؤثر على الحركات الدينية المتطرفة التي تقود السياسة الإسرائيلية والاستيطان.
ثانيًا: من التوراة إلى الممارسة — الفتح كواجب ديني
قدمت التوراة نموذجًا مبكرًا للغزو والإبادة:
“تُبيد جميع الشعوب التي يعطيك الرب إلهك إياها، ولا تُشفق عليهم.” — سفر التثنية 7:16
“اذهب واضرب عماليق، ولا تعفُ عنهم، بل اقتل رجالًا ونساءً، أطفالًا ورضعًا، بقرًا وغنمًا، جمالًا وحميرًا.” — صموئيل الأول 15:3
وقد استشهد زعماء صهاينة دينيون بهذه النصوص لتبرير طمس القرى الفلسطينية.
قال الحاخام عوفاديا يوسف — الحاخام الأكبر الأسبق لليهود الشرقيين في إسرائيل:
“لا يجوز الرحمة على العرب، فهم أفاعٍ.”
هذه ليست تصريحات معزولة. فالصهيونية الدينية تشكل العمود الفقري لأحزاب سياسية كـالبيت اليهودي وعظمة يهودية، التي تنادي بسياسات تطهير عرقي مستندة إلى التوراة والتلمود.
ثالثًا: تحويل العقيدة إلى قانون رسمي
في عام 2018، أقر الكنيست الإسرائيلي قانون الدولة القومية الذي نصَّ على:
- الحق في تقرير المصير محصور باليهود فقط.
- اللغة العبرية هي الرسمية الوحيدة.
- تشجيع الاستيطان اليهودي باعتباره قيمة وطنية.
بينما ناقش العالم القانون سياسيًا، رأى فيه الحاخامات الصهاينة إنجازًا دينيًا: “هذه الأرض وعدنا الرب بها، وغير اليهود يجب أن يخضعوا أو يغادروا.”
قال الحاخام دوف لئور:
“لا يحق لغير اليهود العيش في أرض إسرائيل إلا إن خضعوا للحكم اليهودي.”
أما الحاخام يتسحاق شابيرا، فكتب في كتابه توراة الملك:
“يجوز قتل أطفال غير اليهود إذا تبين أنهم سيشكلون خطرًا في المستقبل.”
هذه المعتقدات ليست على الهامش، بل تُبرر بها اعتداءات المستوطنين، وتساهل الجيش مع الإرهاب اليهودي، وعمليات الهدم، ومصادرة الأراضي، والاغتيالات.
رابعًا: المستوطنون والصهيونية الدينية — عقيدة لا سياسة
حركة الاستيطان ليست مجرد طموح سياسي. بل عقيدة دينية صرفة.
الحركات كـغوش إيمونيم ترى أن الاستيطان واجب شرعي، وأن التفاوض مع الفلسطينيين خيانة للرب.
وتُفسر مفاهيم التلمود والكابالا وفق رؤى عنصرية:
- العرب = عماليق (أعداء يجب استئصالهم)
- فلسطين = ميراث إلهي لليهود
- المفاوضات = تمرد ديني
ويعتقد العديد من المستوطنين أنهم يُعجلون بقدوم “المسيح المخلص” من خلال تطهير الأرض عرقيًا.
هذه ليست قومية. هذه صهيونية دينية متطرفة تحت حماية الدولة.
خامسًا: الصمت العالمي والتحذير القرآني
رغم التوثيق الكامل لنظام الفصل العنصري في إسرائيل، تتجنب وسائل الإعلام والمؤسسات الدولية الإشارة إلى الجذور الدينية للعنف الصهيوني.
السبب؟ الخوف من تهمة “معاداة السامية”.
لكن القرآن كشف هذا منذ قرون:
“لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا…” — المائدة 82
وفي ذات الوقت، أمرنا الإسلام بالعدل:
“ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى.” — المائدة 8
الخاتمة
من صفحات التلمود إلى قوانين الكنيست، من النصوص القديمة إلى الأسلحة الحديثة — الفصل العنصري في إسرائيل ليس سياسيًا فقط، بل دينيًا بامتياز.
فضح هذا لا يُعد تطرفًا. بل ضرورة للبقاء.
من لا يدرس عقيدة خصومه، سيقاتل أعراض المرض لا جذوره.
لقد آن الأوان لكشف ما يعتقدونه — ولماذا يقود إلى الحرب.
📚 المراجع:
- التلمود البابلي (سنهدرين، بابا كما، سفر سفيريم)
- التوراة: التثنية، صموئيل الأول
- توراة الملك — تأليف يتسحاق شابيرا
- فتاوى الحاخامات عوفاديا يوسف، دوف لئور، يتسحاق غينزبورغ
- نص قانون الدولة القومية (الكنيست الإسرائيلي 2018)
- تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش: “تجاوز العتبة” (2021)
- تقارير الأمم المتحدة حول الاستيطان الإسرائيلي والتطرف الديني