اعتبر تحليل أصدره المجلس الأطلسي الأمريكي، أن ولي العهد محمد بن سلمان في مأزق في ظل رفض الرأي العام السعودي التطبيع مع إسرائيل وتمسك شعب بلاد الحرمين بضرورة الوقوف مع القضية الفلسطينية.
وأبرز التحليل أنه منذ تولي إدارة ترامب الثانية السلطة، عاد خبراء السياسة في الشرق الأوسط والمعلقون إلى مناقشة إمكانية التوصل إلى اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل بوساطة أمريكية.
والمعالم العامة لهذا الاتفاق، التي كانت قيد النقاش خلال الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكذلك في عهد إدارة بايدن، معروفة إلى حد بعيد: ستوافق الرياض على تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل ضمانات أمنية أمريكية، ويفضل أن تكون على شكل معاهدة؛ ومساعدة أمريكية في برنامجها النووي؛ وتعاون في مجال التكنولوجيا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي؛ وتقدم في ملف إقامة دولة فلسطينية — رغم أن مقدار هذا التقدم المطلوب ظل غير واضح.
وكان المصطلح الأكثر تكرارًا هو “مسار نحو دولة فلسطينية”، وغالبًا ما وُصف هذا المسار بأنه “ذي مصداقية” أو “لا رجعة فيه”.
ومع زيارة ترامب المرتقبة إلى السعودية الشهر المقبل، فمن المؤكد أن مسألة التطبيع ستكون على جدول الأعمال.
وهناك ثلاثة أسباب تجعل من الضروري أن يشترط ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إدراج قيام دولة فلسطينية كجزء لا يتجزأ من شروط التطبيع مع إسرائيل.
أولاً، العديد من السعوديين والعرب في أنحاء المنطقة قد ينظرون إلى ابن سلمان نظرة ازدراء إذا ما بدا وكأنه يتجاهل معاناة الفلسطينيين.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
ثانيًا، إذا نجح في هذا المسعى، فسيكون قد حقق ما فشل فيه قادة عرب أكثر شهرة.
وأخيرًا، كلما طال أمد هذا النزاع دون حل، كلما استمر في تعطيل أولويات السعودية والمنطقة.
وقبل اندلاع الحرب الإسرائيلية في غزة في أكتوبر 2023، ربما كانت الرياض قريبة من التوصل إلى اتفاق لإقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل دون اشتراط إقامة دولة فلسطينية.
لكن الهجوم الإسرائيلي المدمر على قطاع غزة يبدو أنه غيّر التفكير السعودي. ففي قمة جامعة الدول العربية العام الماضي، وصف بن سلمان الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة بأنها “إبادة جماعية”. وفي خطاب ألقاه في سبتمبر، أشار إلى أن السعودية لن تقيم علاقات مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية.
ورغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سعى إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع السعودية بهدف توسيع علاقات إسرائيل في العالم الإسلامي، إلا أنه يظل معارضًا بشدة لفكرة الدولة الفلسطينية.
ففي عام 2021، وصف نتنياهو اتفاقيات أبراهام — التي طبّعت إسرائيل من خلالها علاقاتها مع البحرين، والإمارات، والسودان، والمغرب — بأنها استبدلت “العقيدة القديمة والخطيرة التي تقوم على الأرض مقابل السلام، بسلام مقابل سلام، دون التنازل عن شبر واحد”.
وقد انضم مصطلح “المسار نحو دولة فلسطينية” إلى قائمة من التعبيرات المستخدمة في خطط السلام السابقة التي شملت عناصر فلسطينية لم تتحقق أبدًا.
فقد اعتقد الرئيس المصري أنور السادات أنه ضمن “الحكم الذاتي” للفلسطينيين حين وقّع معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979. وظن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات أنه يحصل على “حكم ذاتي فلسطيني” عندما وقّع إعلان المبادئ عام 1993.
أما العاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال، فقد وافق على معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1994 بعد أن اقتنع بأن الفلسطينيين حصلوا على “أفق سياسي” — وهو التعبير الساخر المستخدم في عملية أوسلو.
لكن لم تتحقق أبداً أي من تلك الوعود — لا الحكم الذاتي، ولا الأفق السياسي، ولا السلام، ولا الاستقلال. فقد قوّض المتطرفون من كلا الجانبين عملية أوسلو المعيبة وما تلاها من مفاوضات.
وبعد عام 1994، لم تُبرم إسرائيل معاهدات جديدة مع دول عربية حتى اتفاقيات أبراهام عام 2020، والتي حُصِلت مقابل تنازلات أمريكية للبلدان الموقعة، دون أي ذكر لحل القضية الفلسطينية. وقد نظر المشاركون العرب إلى الاتفاقيات كمقابل للحصول على التزامات أمريكية ملموسة.
وعندما وقّعت الإمارات أول اتفاق من اتفاقيات أبراهام في سبتمبر 2020، كان هدفها الأساسي الانضمام إلى برنامج طائرات F-35 الأمريكية والحصول على طائرات الدرون المسلحة من طراز Reaper، رغم اعتراضات إسرائيل، إلى جانب تفاهم بأن واشنطن ستمنع إسرائيل من ضم أجزاء من الضفة الغربية كانت على وشك القيام بذلك.
وفي المقابل، اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وأزالت السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
والآن، تحدد السعودية ثمنها الخاص للتطبيع. لكن على بن سلمان أن يُدرك نقطتين أساسيتين من تجارب الاتفاقات السابقة.
أولاً، لم تدخل إسرائيل قط في أي اتفاق ينص صراحة على قيام دولة فلسطينية. وثانيًا، رغم ما تعلنه الولايات المتحدة من رغبة في حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، إلا أنها لم تضغط يومًا على إسرائيل في هذا الشأن، مكتفية بخطاب أجوف حول “حل الدولتين”.
وقد ورد أن بن سلمان أخبر القادة الأمريكيين بأنه لا يهتم كثيرًا بالفلسطينيين، ولا يريد أن تعرقل قضيتهم خططه لتنويع الاقتصاد أو جهوده في ردع التهديدات الإيرانية.
لكن حرب غزة — التي أسفرت عن قتل أكثر من خمسين ألف فلسطيني، بينهم عشرات الآلاف من المدنيين، وتم توثيقها على شاشات القنوات ربما أجبرت محمد بن سلمان على إعادة تقييم ما هو سياسيًا ممكن.
وفي لقاء له مع وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، أنتوني بلينكن، قال ولي العهد البالغ من العمر 39 عامًا: “سبعون بالمئة من شعبي أصغر سنًا مني. ومعظمهم لم يعرف شيئًا عن القضية الفلسطينية من قبل، لكن هذه الحرب عرّفتهم عليها لأول مرة”.
وأظهر استطلاع أجراه “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في السعودية ونُشر في فبراير 2024، أن نسبة السعوديين الرافضين للتطبيع مع إسرائيل ارتفعت من 38% عام 2022 إلى 68% في 2024.
وقد تصر إدارة ترامب على أن تخفف السعودية من مطالبتها بقيام دولة فلسطينية قبل التوصل إلى اتفاق، وربما تروّج لفوائد أخرى لابن سلمان. وقد تحاول الإدارة، كما فعلت سابقًا، تقديم “إدارة بلدية” فلسطينية على شكل جزر في الضفة الغربية كأنها “دولة”، وتطلب من ابن سلمان قبولها كذلك.
لكن إذا أبرم بن سلمان اتفاق سلام مع إسرائيل دون إقامة دولة فلسطينية يراها شعبه ذات مصداقية، فسيكون ملزماً بتبرير كل ما تفعله إسرائيل ضد الفلسطينيين أو غيرهم من العرب.