لم يرد في صريح الكتاب والسنة الصحيحة نص يدل على إثبات أو نفي زواج السيد المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام، وإن كان في القرآن الكريم ما يدل على أن الزواج عموماً من هدي المرسلين، فقد قال سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) [الرعد: 38]. فذلك لا يمنع أن يكون بعضهم مستثنى من ذلك، وهذا الاستثناء كان كمالاً في حقه وفي شريعته، كما أن زواج الأنبياء – عموماً – وما أوتوا من الأزواج والذرية كان كمالاً لهم.
فقد بان لك من هذا: أن عدم القدرة على النكاح نقص؛ وإنما الفضل في كونها موجودة ثم قمعها، إما بمجاهدة كعيسى عليه السلام، أو بكفاية من الله تعالى كيحيى عليه السلام، فضيلة زائدة؛ لكونها مشغلة في كثير من الأوقات، حاطّة إلى الدنيا، ثم هي في حق من أقدر عليها وملكها وقام بالواجب فيها ولم يشغله عن ربه: درجة علياء، وهي درجة نبينا صلى الله عليه وسلم، الذي لم تشغله كثرتهن عن عبادة ربه، بل زاده ذلك عبادة لتحصينهن وقيامه بحقوقهن واكتسابه لهن وهدايته إياهن.” انتهى.
الشفا بحقوق المصطفى، للقاضي عياض (188-189)، وانظر: تفسير ابن كثير (2/38)، وأيضا: “التحرير والتنوير”، لابن عاشور (13/162-163).
وأما ما جاء في رواية “شيفرة دافنشي” لكاتبها “دان براون”، فليس فيها إلا إثارة لمواضيع حساسة لدى الكنائس الغربية لقصد الإثارة وتحقيق الأرباح فقط، وليس بغرض البحث العلمي، ولا التحقيق التاريخي، وقد أثارت هذه الرواية جدلاً واسعاً في الأوساط النصرانية، وكتب الكثيرون منهم ردوداً على ما جاء فيها من تفصيلات تعارضها الكنيسة.
وأما نحن المسلمين فنقول: المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام من أولي العزم من الرسل، وهو كلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه، وأما أنه تزوج أو لم يتزوج، فأي الأمرين وقع له، فهو فضل وكمال في حقه، ولا ينقص من قدره عند الله شيئاً. صلى الله عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والرسل.
والله أعلم.







