وَأَمَّا الشَّفَقَةُ وَالرَّأَْفَةُ وَالرَّحْمَةُ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم) وَقَالَ تَعَالَى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) قَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَاهُ اسْمَيْنِ مِنْ أَسْمَائِهِ فقال (بالمؤمنين رؤف رحيم) وَحَكَى نَحْوَهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ حَدَّثَنَا الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُشَنِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ حَدَّثَنَا إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ الْفَارِسِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْجُلُودِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنْبَأَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةً وَذَكَرَ حُنَيْنًا قَالَ فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِائَةً مِنَ النَّعَمِ ثُمَّ مِائَةً ثُمَّ مِائَةً قَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابن الْمُسَيِّبِ أَنَّ صَفْوَانَ قَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي مَا أَعْطَانِي وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ. وَرُوِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَهُ يَطْلُبُ مِنْهُ شَيْئًا فَأَعْطَاهُ ثُمَّ قَالَ أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ، قَالَ الْأَعْرَابِيُّ لَا وَلا أَجْمَلْتَ، فَغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ وَقامُوا إِلَيْهِ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ كُفُّوا ثُمَّ قَامَ وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ وَأرْسَلَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَهُ شيئا ثُمَّ قَالَ: أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ قَالَ: نَعَمْ فَجَزَاكَ اللَّهُ مِنْ أَهْلٍ وَعَشِيرَةٍ خَيْرًا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ قُلْتَ مَا قُلْتَ وَفِي نَفْسِ أَصْحَابِي مِنْ ذَلِكَ شئ فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بَيْنَ يَدَيَّ حَتَّى يَذْهَبَ مَا فِي صُدُورِهمْ عَلَيْكَ، قَالَ: نَعَمْ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَوِ الْعَشِيُّ جَاءَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ قَالَ مَا قَالَ فَزِدْنَاهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ رَضِيَ أَكَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَجَزَاكَ اللَّهُ مِنْ أَهْلٍ وَعِشِيرَةٍ خَيْرًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلِي وَمَثَلُ هَذَا مَثَلُ رَجُلٍ لَهُ نَاقَةٌ شَرَدَتْ عَلَيْهِ فَاتَّبَعَهَا النَّاسُ فَلَمْ يَزِيدُوهَا إِلَّا نُفُورًا فَنَادَاهُمْ صَاحِبُهَا خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ نَاقَتِي فَإِنِّي أَرْفَقُ بِهَا مِنْكُمْ وَأَعْلَمُ فَتَوَجَّهَ لَهَا بَيْنَ يَدَيْهَا فَأَخَذَ لَهَا مِنْ قُمَامِ الْأَرْضِ فَرَدَّهَا حَتَّى جَاءَتْ وَاسْتَنَاخَتْ وَشَدَّ عَلَيْهَا رَحْلَهَا وَاسْتَوَى عَلَيْهَا وَإِنِّي لَوْ تَرَكْتُكُمْ حَيْثُ قَالَ الرَّجُلُ مَا قَالَ فَقَتَلْتُمُوهُ دَخَلَ النَّارَ) وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ) وَمِنْ شَفَقَتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخْفِيفُهُ وَتَسْهِيلُهُ عَلَيْهِمْ. وَكَرَاهَتُهُ أَشْيَاءَ مَخَافَةَ أَنْ تُفَرَضَ عَلَيْهِمْ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ وَخَبَرُ صَلاةِ اللَّيْلِ وَنَهْيُهُمْ عَنِ الْوِصَالِ، وَكَرَاهَتُهُ دُخُولَ الْكَعْبَةِ لِئَلَّا تَتَعَنَّتَ أُمَّتُهُ، وَرَغْبَتُهُ لِرَبِّهِ أَنْ يَجْعَلَ سَبَّهُ وَلَعْنَهُ لَهُمْ رَحْمَةً بِهِمْ، وَأَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيَتَجَوَّزُ فِي صَلاتِهِ * وَمِنْ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ دَعَا رَبَّهُ وَعَاهَدَهُ فَقَالَ أَيُّمَا رَجُلٍ سَبَبْتُهُ أَوْ لعَنْتُهُ فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً وَصَلَاةً وطَهُورًا وَقُربَةً تُقَرِّبَهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَمَّا كَذَّبَهُ قَوْمُهُ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ أَمَرَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَاهُ مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ مُرْنِي بِمَا شِئْتَ إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَرَوَى ابْنُ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَالْجِبَالَ أنْ تُطِيعَكَ فَقَالَ أُؤَخِّرُ عَنْ أُمَّتِي لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمُ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنَ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا،
وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا رَكِبَتْ بَعِيرًا وَفِيهِ صُعُوبَةٌ فَجَعَلْت تُرَدِّدُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَيْكَ بِالرِّفْقِ.