وَأَمَّا حُسْنُ عِشْرَتِهِ وَأَدَبِهِ وَبَسْطُ خُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْنَافِ الْخَلْقِ فَبِحَيْثُ انْتَشَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَصْفِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: كَانَ أوْسَعَ النَّاسِ صَدْرًا وَأَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً وَأَكْرَمَهُمْ عِشْرَةً * حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُشَرَّفٍ الْأَنْمَاطِيُّ فِيمَا أَجَازَنِيهِ وَقَرَأْتُهُ عَلَى غَيْرِهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْحَبَّالُ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ النَّحَّاسِ حدثنا ابن الأعرابي حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مَرْوَانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالا حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ زَارَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ قِصَّةً فِي آخِرِهَا فَلَمَّا أَرَادَ الانْصِرَافَ قَرَّبَ لَهُ سَعْدٌ حِمَارًا وَطَّأَ عَلَيْهِ بِقَطِيفَةٍ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ يَا قَيْسُ اصْحَبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَيْسٌ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْكَبْ فَأَبَيْتُ فَقَالَ إِمَّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمَّا أَنْ تَنْصَرِفَ فَانْصَرَفْتُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ارْكَبْ أَمَامِي فَصَاحِبُ الدَّابَّةِ أَوْلَى بِمُقَدَّمِهَا، وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُنَفِّرُهُمْ وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ ويوليه عليهم وَيَحْذَرُ النَّاسَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِشْرَهُ وَلَا خُلُقَهُ، يَتَعَهَّدُ أَصْحَابَهُ وَيُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ نَصِيبَهُ، لَا يَحْسَبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ، مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَارَبَهُ لِحَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ عَنْهُ وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ قَدْ وَسِعَ النَّاسَ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ فَصَارَ لَهُمْ أَبًا وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً، بِهَذَا وَصَفَهُ ابْنُ أَبِي هَالَةَ، قَالَ وَكَانَ دَائِمَ الْبِشْرِ سَهْلَ الْخُلُقِ لَيِّنَ الْجَانِبِ لَيْسَ بِفَظٍّ ولا غليظ ولا سحاب وَلَا فَحَّاشٍ وَلَا عَيَّابٍ وَلَا مَدَّاحٍ يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِي وَلَا يُؤْيَسُ مِنْهُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لا نفضوا من حولك) وَقَالَ تَعَالَى (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الآيَةَ، وَكَانَ يُجِيبُ مَنْ دَعَاهُ وَيَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَلَوْ كَانَتْ كراعا ويكافئ عَلَيْهَا. قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ وَمَا قال لشئ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَهُ ولا لشئ تَرَكْتُهُ لَمْ تَرَكْتَهُ، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَا كَانَ أَحَدٌ أَحْسَنَ خُلُقًا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ما دَعَاهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا أَهْلُ بَيْتِهِ إِلَّا قَالَ لَبَّيْكَ، وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الله مَا حَجَبَنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ وَكَانَ يُمَازِحُ أَصْحَابَهُ وَيُخَالِطُهُمْ وَيُحَادِثُهُمْ وَيُدَاعِبُ صِبْيَانَهُمْ وَيُجْلِسُهُمْ فِي حِجْرِهِ وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالْمِسْكِينِ وَيَعودُ الْمَرْضَى فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَيَقْبَلُ عُذْرَ الْمُعْتَذِرِ، قَالَ أَنَسٌ مَا الْتَقَمَ أَحَدٌ أُذُنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُنَحِّي رَأْسَهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي ينحى رَأْسَهُ وَمَا أَخَذَ أحَدٌ بِيَدِهِ فَيُرْسِلُ يَدَهُ حَتَّى يُرْسِلَهَا الآخِذُ وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمًا رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ وَكَانَ يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلَامِ وَيَبْدَأُ أَصْحَابَهُ بِالْمُصَافَحَةِ لَمْ يُرَ قَطُّ مَادًّا رِجْلَيْهِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ حَتَّى يُضَيِّقَ بِهِمَا عَلَى أَحَدٍ، يُكْرِمُ مِنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا بَسَطَ لَهُ ثَوْبَهُ وَيُؤْثِرُهُ بِالْوِسَادَةِ الَّتِي تَحْتَهُ وَيَعْزِمُ عَلَيْهِ فِي الْجُلُوسِ عَلَيْهَا إِنْ أَبَى ويُكَنِّي أَصْحَابَهُ وَيَدْعُوهُمْ بِأَحَبِّ أَسْمَائِهِمْ تَكْرِمَةً لَهُمْ وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَتَجَوَّزَ فَيَقْطَعَهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ وَيُرْوَى بِانْتِهَاءٍ أَوْ قِيَامٍ وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْلِسُ إِلَيْهِ أَحَدٌ وَهُوَ يُصَلِّي إِلَّا خَفَّفَ صَلاتَهُ وَسَأَلَهُ عَنْ حَاجَتِهِ فَإِذَا فَرَغَ عَادَ إِلَى صَلاتِهِ، وَكَانَ أَكْثَرَ النَّاسِ تَبَسُّمًا وَأَطْيَبَهمْ نَفْسًا مَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ أَوْ يَعِظْ أَوْ يَخْطُبْ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ أَنَسٍ كَانَ خَدَمُ الْمَدِينَةِ يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا الْمَاءُ فَمَا يؤتى بآنية إِلَّا غَمَسَ يَدَهُ فِيهَا وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ يُرِيدُونَ بِهِ التَّبَرُّكَ.