كلما تراجع منسوب المياه في نهر الفرات، يتكاثر الحديث عن اقتراب يوم القيامة، لا سيما أن انحسار نهر الفرات عن جبلٍ من الذهب هو إحدى علامات الساعة الصغرى.
والحديث عن تلك العلامة بالذات صار مرتبطاً بظهور “المدينة المخفية” في العراق، بعد انحسار نهر الفرات، لتزداد ملامح تلك المدينة الأثرية وضوحاً، وتتوالى التقارير حول معالمها يوماً بعد آخر.
فما هي تلك المدينة، وما علاقتها بعلامات الساعة؟
ما الرابط بين انحسار نهر الفرات ويوم القيامة؟
روى البخاري في صحيحه، في كتاب الفتن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى يُحْسَر الفرات عن جبلٍ من ذهب يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مئة تسعة وتسعون، فيقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا أنجو”.
وانطلاقاً من هذا الحديث، فسّر الكثيرون -ومن بينهم علماء في الأزهر الشريف، مثل الشيخ محمد أبو بكر جاد الكريم– أن انحسار نهر الفرات وظهور مدينة أثرية في العراق، على أنه بمثابة مقدّمة لنتيجة أكيدة، ألا وهي ظهور جبل الذهب.
النتيجة ذاتها أكد عليها دعاة شباب يحظون بشعبيةٍ كبيرة، مثل عبد الله رشدي الذي خرج بدوره ليتحدث عن انحسار نهر الفرات وظهور علامة جديدة من علامات الساعة، وقرب اكتشاف جبل من ذهب، في فيديو بعنوان “انحسار نهر الفرات وظهور علامة جديدة من علامات الساعة”.
الموضوع أغرى عدداً كبيراً من صناع المحتوى، ودفعهم -مثل رشدي- للحديث عن جبل الذهب المرتقب، مع ربط انخفاض منسوب مياهه بعلامة يوم القيامة الشهيرة، وقرب قيام الساعة.
وقد حظيت هذه النوعية من المحتوى بملايين المشاهدات، خاصة مع تواتر الأخبار عن اكتشافاتٍ جديدة، فتداعت التحليلات والتفسيرات حول قرب ظهور جبل الذهب، لا سيما عقب الجفاف المتكرر للنهر.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
آسيا الجنابي، إعلامية ومرشحة سابقة لمجلس النواب العراقي، واحدة من المهتمين بالحديث الدائر حول قرب ظهور جبل الذهب، تقول لـ”عربي بوست”: “كثيرون يقولون إنها تغيرات مناخية، لكنَّ كثيرين مثلي يرون أن انحسار نهر الفرات بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم”.
وتتابع الجنابي قائلة: “الدليل بالنسبة لي هو بحيرة طبرية التي بدأت تجف، فصار التمر أقلّ وبدأ نخل بيسان يخفّ؛ لذا أنا على يقين أن الأمر كما في الحديث، وأرى أن انحسار نهر الفرات له علاقة وثيقة بقرب ظهور جبل الذهب”.
ما هي المدينة المخفية في العراق؟
بدأت القصة في العام 1877 مع اكتشاف “آثار لكش/لجش” من قِبَل مجموعة من الباحثين الفرنسيين المختصين في علم الآثار، بقيادة أرنست دي سارزيك Ernest de Sarzec .
حينها، كشف الرجل النقاب عن العاصمة السومرية لكش، كما كشف الكثير مما هو معروف عن الفن واللغة والتاريخ، عن أقدم حضارات بلاد ما بين النهرين. وظلّ دي سارزيك يبحث ويعمل حتى نجح عام 1880 في الكشف عن منحوتةٍ للحاكم السابع لسلالة لكش، تعود إلى 2150 -2050 ق.م.
وفي الواقع نجاحات الرجل في الموقع كانت عظيمة، حتى إنه نجح في العثور على 30 ألف لوحٍ طيني منقوش، ساعد في تقديم الكثير من المعلومات حول إدارة المعبد والتجارة والزراعة وتربية الماشية، وذلك بالتعاون مع فريقٍ واسع.
وخلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022 الماضي، استطاع فريق من علماء الأنثروبولوجي النظر من أعلى إلى “المدينة” المخفية في العراق” بواسطة طائرات الدرونز.
فاكتشف الفريق ما أطلق عليه لاحقاً اسم “فينيسا الهلال الخصيب”، حيث تقع المدينة القديمة في جنوب بلاد ما بين النهرين، والتي ازدهرت فيها حياة حضارية قبل ما يقرب من 5000 عام.
كانت مدينة لكش/لجش تتكون من أربعة أجزاء تتصل مع بعضها بمجارٍ مائية؛ وبحسب عالمة الأنثروبولوجيا في جامعة بنسلفانيا أملي هامر، فقد طوّر كل قطاع في المدينة ممارسات اقتصادية مميزة على جزيرةٍ مستنقعية فردية، شبيهة تماماً بمدينة البندقية الإيطالية.
ويبدو أن النشاط السائد وقتها انحصر في صيد الأسماك، وجمع القصب من أجل أعمال البناء، إلى جانب أنشطة أخرى، مثل الزراعة، وصناعة الفخار.
بقايا جسور مشاة، ومزيد من الحفريات، تبدو واضحة في أطلال لكش التي شكلت واحدة من أقدم دول العالم. ولكن يبقى السؤال أيضاً: هل كان التنقيب عن الذهب، وصياغته، من بين أنشطة هذه المدينة الأثرية؟
جاءت الإجابة عن هذا السؤال في كتاب “دراسات في حضارة بلاد الرافدين”، الذي ترجمه الدكتور إلياس حسيب حديد، والذي يقول بوضوح: “إن المنقبين لم يعثروا على القبول الأثرية في لكش، وإنما على ألواح لكش وأوما التي تعالج النحاس والبرونز”.
