هل نحتفل بالمولد النبوي الشريف أم لا؟ هل هو بدعة أم تذكير للغافل برسول الله وسيرته؟
يُصبح ذلك السؤال هو الشغل الشاغل للإعلام وشيوخ الأمة ورجال دينها في مقابل الرأي الوهابي (المسمى زورًا بالسلفي) المعارض في تلك الأيام التي تسبق حلول يوم المولد. ولكن قبل أن يجيب من أراد الإجابة عن ذلك السؤال الذي لن تقنع به الوهابي المعارض لأي شكل من أشكال اظهار الحب للنبي، ولن يتوقفوا عن طرحه في الأعوام المقبلة، كأن مشكلات الأمة والإسلام والمسلمين قد انتهت ولم يبقَ إلا هذه المشكلة وهي جدلية الاحتفال بالمولد النبوي. ولهذا، يجب أن نفهم أولاً تاريخ وحاضر ذلك اليوم حتى نستطيع تقييمه ووضعه في الإطار المناسب له.
كان الفتح الإسلامي لمصر قبل دخول الفاطميين إليها بما يقرب من 300 عام، وطوال تلك الأعوام لم ينتشر الإسلام في كل ربوع وأراضي مصر، كما أنه لم يكن دين الأغلبية بها، فقد استغرق الإسلام قُرابة 5 قرون لينتشر بين المصريين في كل أنحاء مصر، كما أن المصريين من المسلمين كانوا لا يزالون يحتفلون بأعيادهم القبطية والفرعونية بصورة مفرطة، فلم يكن الإسلام قد ترك أثراً قوياً في النفوس بعدُ، لذلك عندما جاء الفاطميون إلى مصر عملوا على نشر واستحداث احتفالات ومظاهر لتشجيع المصريين على الإسلام وتقريب الناس منه؛ من تلك الأمور حلوى عاشوراء التي يُعدّها المصريين في ذكرى عاشوراء، وكذلك حلوى الكنافة والقطائف التي كان الفاطميون أول من صنعوها لرمضان، وكذلك كعك العيد الذي اهتم به الفاطميون وأيضا عروسة المولد.
كل تلك الأمور جاءت لتقرب المصريين من الإسلام وتحبّبهم فيه، فكان إنشاء الاحتفال بالمولد خيراً. ومع الوقت، انتشر ذلك الاحتفال في بلاد المغرب والشام، تلك البلاد التي كانت تابعة للفاطميين وقتها، ومنها انتشر في كل بلاد المسلمين.
وفي نفس السياق قبل ذلك, تبنّى علماء أهل السنة والجماعة هذه البدعة الحسنة لما فيها من تذكير للغافل وتقريب المسلمين من بعضهم البعض تحت شعار حب النبي واستذكار صفاته وسيرته. وقد ألّف علماء أهل السنة والجماعة قديمًا الكثير من الكتب والرسائل التي استحسنوا فيها عمل المولد النبوي الشريف
إن احتفالنا بالمولد النبوي أمر يذكرنا برسول الله وسيرته العطرة، ويجعلنا نسترجع أحداث حياته ونحاول الاقتداء بها واتباع سننه، مما ينبه الغافل عن سيرته.
كما أن مقتدري المسلمين يبذلون الخير في ذلك اليوم لفقراء الأمة، مما يجعل ذلك اليوم خيراً على الفقير والمحتاج الذي ينتظر ذلك اليوم على أنه عيد للخير والعطاء.
وذكر عن الحافظ ابن حجر أن “أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدها.. فمن تحرى في عمله المحاسن وتجنب ضدها كانت بدعة حسنة ومن لا فلا”.
يقول ابن حجر: “وقد ظهر لي تخريجها علي أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود يصومون عاشوراء، فسألهم، فقالوا هذا يوم أغرق الله فيه فرعون وأنجي فيه موسي فنحن نصومه شكرًا لله، فقال: إنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه .
فاتقوا الله في أمتنا، وتوقفوا عن تلك الفتاوى البليدة؛ مثل: تحريم الاحتفال بالمولد وغيرها من تلك المُلهيات التي لا تصب في صميم الإسلام وتظهره أنه دين أجوف يهتم بالشكليات أكثر من اهتمامه بالأساسيات، فالأمة الإسلامية تعاني مما هو أهم في تدرّج الأولويات عن ذلك الأمر.