القول السالك في ما ذهب إليه العلماء من غسل المرفقين على مذهب مالك
من فرائض الوضوء غسل اليدين اتفاقا مع المرفقين على المشهور، فَيَجِبُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ زَائِدَةً الْتَبَسَتْ بِالأَصْلِيَّةِ [كِلْتَاهُمَا نَبَتَتْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَالْتَبَسَتَا فَلَمْ تُعْرَفِ الْزَائِدَةُ مِنَ الأَصْلِيَّةِ فَيَغْسِلُ كِلَيْهِمَا] مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ وَيُقَالُ الْمَرْفِقَيْنِ وَهُمَا مُجْتَمَعُ عَظْمَيِ السَّاعِدِ وَالْعَضُدِ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [سُورَةَ الْمَائِدَة/6] أَيْ مَعَ الْمَرَافِقِ. فَإِذَا تُرِكَ الْمِرْفَقَانِ لَمْ يَصِحَّ الْوُضُوءُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَغْسِلُ مِرْفَقَيْهِ وَلا يَقْتَصِرُ عَلَى مَا قَبْلَهُمَا كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ [فِي صَحِيحِهِ].
وقيل لا يجب غسل المرفقين فلَوْ تَرَكَ غَسْلَ الْمِرْفَقِ صَحَّ الْوُضُوءُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَدَلِيلُهُمْ ظَاهِرُ الآيَةِ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ الْمَرَافِقُ مَا دَخَلَتْ لِأَنَّ الأَصَحَّ فِي إِلَى عَدَمُ إِدْخَالِ الْغَايَةِ قَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ [رَجَزٌ]
وَفِي دُخُولِ الْغَايَةِ الأَصَحُ لا *** تَدْخُلُ مَعْ إِلَى وَحَتَّى دَخَلا
مَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ أَنَّ عُلَمَاءَ النَّحْوِ اخْتَلَفُوا هَلْ تَدْخُلُ الْغَايَةُ أَيْ مَا بَعْدَ حُرُوفِ الْغَايَةِ كَإِلَى وَحَتَّى مَعَ مَا قَبْلَهَا أَمْ لا تَدْخُلُ فَالأَصَحُّ أَنَّ مَا بَعْدَ إِلَى لا يَدْخُلُ فِي حُكْمِ مَا قَبْلَهَا وَهُنَاكَ قَوْلٌ ءَاخَرُ بِدُخُولِ الْغَايَةِ مَعَ إِلَى أَيْ مَعَ مَا قَبْلَهَا، أَمَّا فِي حَتَّى فَالأَمْرُ بِالْعَكْسِ إِذَا قُلْتَ أَكَلْتُ السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسَهَا فَالرَّأْسُ دَاخِلٌ فِي الْمَأْكُولِ.
فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ شَخْصٌ ذَهَبْتُ مِنْ هُنَا إِلَى الْبَيْتِ فَالِاحْتِمَالُ الأَقْوَى أَنْ لا يَكُونَ دَخَلَ الْبَيْتَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ وَهُوَ الِاحْتِمَالُ الأَضْعَفُ أَمَّا لَوْ قَالَ ذَهَبْتُ حَتَّى الْبَيْتَ فَمَعْنَاهُ دَخَلَهُ.
قال بعض كبار العلماء: لَوْلا الْحَدِيثُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَؤُلاءِ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا.