• Privacy & Policy
Tuesday, June 17, 2025
Sunna Files Website
  • Login
  • Main Page
  • Islam
    • Islamic Lessons
    • Consultancy
    • Top Picks
    • Islamic Heritage
  • Sunna Files News
    • Sunna Files Blog
    • Muslims News
  • Shop
    • eBook Shop
    • My Cart
    • Checkout
  • المرصد
  • إضاءات إسلامية
    • السنة النبوية
      • السيرة النبوية
      • المولد النبوي الشريف
      • معالم المدينة
      • الموسوعة الحديثية
      • أحاديث نبوية
    • أصول العقيدة
      • تفسير القرءان
      • حكم الدين
    • الفقه الإسلامي
      • سؤال وجواب
      • الحج والعمرة
      • المعاملات والنكاح
      • الصلاة و الطهارة
      • معاصي البدن والجوارح
      • الصيام والزكاة
    • قصص الأنبياء
    • عالم الجن وأخباره
    • خطب الجمعة
    • الترقيق والزهد
      • أخبار الموت والقيامة
      • الفتن وعلامات الساعة
      • فوائد إسلامية
      • أذكار
      • الرقية الشرعية
      • قصص
    • الفرق والمِلل
      • طوائف ومذاهب
      • الشيعة
      • اهل الكتاب
      • الملحدين
      • حقائق الفرق
  • مقالات
    • التاريخ والحضارة الإسلامية
    • الـسـير والتـراجـم
    • التاريخ العثماني
    • المناسبات الإسلامية
    • ثقافة ومجتمع
      • خصائص اعضاء الحيوانات
      • أدبيات وفوائد
      • دواوين وقصائد
      • التربية والمنزل
      • الصحة
      • مأكولات وحلويات
  • المكتبة
  • Languages
    • İslam dersleri – Islamic Turkish Lessons
    • Islamiska Lektioner – Swedish Language
    • Islamilainen Tiedot – Finnish Language
    • Mësime Islame – DEUTSCH
    • Leçons islamiques – French Language
    • ісламський уроки – Russian Language
    • Lecciones Islamicas – Espanola
    • Islamitische lessen – Dutch Language
No Result
View All Result
  • Main Page
  • Islam
    • Islamic Lessons
    • Consultancy
    • Top Picks
    • Islamic Heritage
  • Sunna Files News
    • Sunna Files Blog
    • Muslims News
  • Shop
    • eBook Shop
    • My Cart
    • Checkout
  • المرصد
  • إضاءات إسلامية
    • السنة النبوية
      • السيرة النبوية
      • المولد النبوي الشريف
      • معالم المدينة
      • الموسوعة الحديثية
      • أحاديث نبوية
    • أصول العقيدة
      • تفسير القرءان
      • حكم الدين
    • الفقه الإسلامي
      • سؤال وجواب
      • الحج والعمرة
      • المعاملات والنكاح
      • الصلاة و الطهارة
      • معاصي البدن والجوارح
      • الصيام والزكاة
    • قصص الأنبياء
    • عالم الجن وأخباره
    • خطب الجمعة
    • الترقيق والزهد
      • أخبار الموت والقيامة
      • الفتن وعلامات الساعة
      • فوائد إسلامية
      • أذكار
      • الرقية الشرعية
      • قصص
    • الفرق والمِلل
      • طوائف ومذاهب
      • الشيعة
      • اهل الكتاب
      • الملحدين
      • حقائق الفرق
  • مقالات
    • التاريخ والحضارة الإسلامية
    • الـسـير والتـراجـم
    • التاريخ العثماني
    • المناسبات الإسلامية
    • ثقافة ومجتمع
      • خصائص اعضاء الحيوانات
      • أدبيات وفوائد
      • دواوين وقصائد
      • التربية والمنزل
      • الصحة
      • مأكولات وحلويات
  • المكتبة
  • Languages
    • İslam dersleri – Islamic Turkish Lessons
    • Islamiska Lektioner – Swedish Language
    • Islamilainen Tiedot – Finnish Language
    • Mësime Islame – DEUTSCH
    • Leçons islamiques – French Language
    • ісламський уроки – Russian Language
    • Lecciones Islamicas – Espanola
    • Islamitische lessen – Dutch Language
No Result
View All Result
Sunna Files Website
No Result
View All Result
Arabic WhatsApp Group Arabic WhatsApp Group Arabic WhatsApp Group
ADVERTISEMENT

تفسير سورة القلم

December 2, 2012
in تفسير القرآن الكريم
Reading Time: 12 mins read
A A
0
0
VIEWS
Share on FacebookShare on Whatsapp

سورة القلم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمـٰنِ الرَّحِيمِ

ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَآ أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلا تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَّبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَآلُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُم أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَآئِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِن مَّغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلآ أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنْ الصَّالِحِينَ (50) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)

مُنَاسَبَةُ هَذِهِ السُّورَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ فِيمَا قَبْلَهَا ذَكَرَ اللَّهُ أَشْيَاءَ مِنْ أَحْوَالِ السُّعَدَاءِ وَالأَشْقِيَاءِ، وَذَكَرَ قُدْرَتَهُ الْبَاهِرَةَ وَعِلْمَهُ الْوَاسِعَ، وَأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ شَاءَ لَخَسَفَ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ لأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ حَاصِبًا، وَكَانَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ هُوَ مَا تَلَقَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ، وَكَانَ الْكُفَّارُ يَنْسُبُونَهُ مَرَّةً إِلَى الشِّعْرِ وَمَرَّةً إِلَى السِّحْرِ وَمَرَّةً إِلَى الْجُنُونِ، فَبَدَأَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذِهِ السُّورَةَ بِبَرَاءَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا كَانُوا يَنْسُبُونَهُ إِلَيْهِ مِنَ الْجُنُونِ، وَتَعْظِيمِ أَجْرِهِ عَلَى صَبْرِهِ عَلَى أَذَاهُمْ وَبِالثَّنَاءِ عَلَى خُلُقِهِ الْعَظِيمِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:

﴿ن﴾ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ بِإِظْهَارِ النُّونِ أَيْ بِفَكِّ الإِدْغَامِ مِنْ وَاوِ الْقَسَمِ، وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ وَيَعْقُوبُ بِإِدْغَامِ النُّونِ فِي الْوَاوِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالأَعْمَشُ: ﴿نُونِ وَالْقَلَمِ﴾بِكَسْرِ النُّونِ، وَهُوَ أَحَدُ حُرُوفِ الْهِجَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ بِهِ ﴿وَالْقَلَمِ﴾ الْوَاوُ وَاوُ الْقَسَمِ، أَيْ يُقْسِمُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِالْقَلَمِ، وَالْقَلَمُ مَعْرُوفٌ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي أَقْسَمَ بِهِ رَبُّنَا مِنَ الأَقْلاَمِ الْقَلَمُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَرَهُ فَجَرَى بِكِتَابَةِ جَمِيعِ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنَ الآجَالِ وَالأَعْمَالِ وَالأَرْزَاقِ وَغَيْرِهَا ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾أَيْ وَمَا يَكْتُبُونَ، وَالْمَعْنَى مَا تَكْتُبُهُ الْمَلاَئِكَةُ الْحَفَظَةُ مِنَ أَعْمَالِ بَنِي ءَادَمَ.

﴿مَآ أَنتَ﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ أَيْ بَسَبَبِ نِعْمَةِ رَبِّكَ عَلَيْكَ بِالإيِمَانِ وَالْبَنِينِ وَالنُّبُوَّةِ وَغَيْرِهِا ﴿بِمَجْنُونٍ﴾ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ مَجْنُونٌ شَيْطَانٌ، فَنَزَلَتْ: ﴿مَآ أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ أَيْ وَمَا أَنْتَ بِإِنْعَامِ رَبِّكَ عَلَيْكَ بِالإيِمَانِ وَالنُّبُوَّةِ بِمَجْنُونٍ، وَنِعَمُ اللَّهِ  ظَاهِرَةٌ عَلَيْكَ مِنَ الْفَصَاحَةِ التَّامَّةِ وَالْعَقْلِ الْكَامِلِ وَالسِّيرَةِ الْمُرْضِيَةِ وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ وَالأَخْلاَقِ الْحَمِيدَةِ، وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ وَتَكْذِيبٌ لِلْمُشْرِكِينَ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّهُ مَجْنُونٌ.

﴿وَإِنَّ لَكَ﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿لأَجْرًا﴾ أَيْ ثَوَابًا مِنَ اللَّهِ  عَظِيمًا عَلَى صَبْرِكَ عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ إِيَّاكَ فَلاَ يَمْنَعُكَ مَا قَالُوا عَنْ دُعَاءِ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ  تَعَالَى ﴿غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ أَيْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ وَلاَ مَقْطُوعٍ.

﴿وَإِنَّكَ﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ رَوَى مُسْلِمٌ  عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعَنْ أَبِيهَا قَالَتْ:«فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْءَانُ»، وَالْمَعْنَى: إِنَّكَ لَعَلَى الْخُلُقِ الَّذِي أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ فِي الْقُرْءَانِ.

﴿فَسَتُبْصِرُ﴾ أَيْ فَسَتَعْلَمُ يَا مُحَمَّدُ ﴿وَيُبْصِرُونَ﴾ وَسَيَعْلَمُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهَذَا وَعِيدٌ لَهُمْ.

﴿بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ فِي أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ الْمَجْنُونُ أَبِالْفِرْقَةِ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَمْ بِالْفِرْقَةِ الأُخْرَى، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿هُوَ أَعْلَمُ﴾ أَيْ عَالِمٌ ﴿بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ أَيْ حَادَ عَنْ دِينِهِ ﴿وَهُوَ﴾ أَيِ اللَّهُ ﴿أَعْلَمُ﴾ أَيْ عَالِمٌ ﴿بِالْمُهْتَدِينَ﴾ الَّذِي هُمْ عَلَى الْهُدَى فَيُجَازِي كُلاًّ غَدًا بِعِلْمِهِ.

﴿فَلاَ تُطِعِ﴾ يَا مُحَمَّدُ وَذَلِكَ أَنَّ رُؤَسَاءَ أَهْلِ مَكَّةَ دَعَوْهُ إِلَى دِينِهِمْ ﴿الْمُكَذِّبِينَ﴾ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنَ الْوَحْيِ وَهَذَا نَهْيٌ عَنْ طَوَاعِيَتِهِمْ فِي شَىْءٍ مِمَّا كَانُوا يَدْعُونَهُ إِلَيْهِ مِنَ الْكَفِّ عَنْهُمْ لِيَكُفُّوا عَنْهُ وَمِنْ تَعْظِيمِ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

﴿وَدُّوا﴾ أَيْ تَمَنَوْا ﴿لَوْ تُدْهِنُ﴾ أَيْ تَلِينُ لَهُمْ ﴿فَيُدْهِنُونَ﴾ أَيْ يَلِينُونَ لَكَ، وَمَعْنَى الآيَةِ أَنَّهُمْ تَمَنَوْا أَنْ تَتْرُكَ بَعْضَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِمَّا لاَ يَرْضَوْنَهُ مُصَانَعَةً لَهُمْ فَيَفْعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَتْرُكُوا بَعْضَ مَا لاَ تَرْضَى بِهِ فَتَلِينُ لَهُمْ وَيَلِينُوا لَكَ.

﴿وَلا تُطِعْ﴾ أَيْ يَا مُحَمَّدُ ﴿كُلَّ حَلاَّفٍ﴾ أَيْ كُلَّ ذِي إِكْثَارٍ لِلْحَلِفِ بِالْبَاطِلِ ﴿مَّهِينٍ﴾ أَيْ حَقِيرٍ فِي الرَّأْيِ وَالتَّمْيِيزِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَهِينٌ أَيْ كَذَّابٌ لأَِنَّ الإِنْسَانَ إِنَّمَا يَكْذِبُ لِمَهَانَةِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ.

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي مَا نَصُّهُ : “اخْتُلِفَ فِي الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ فَقِيلَ: هُوَ الْوَلِيدُ بنُ الْمُغِيرَةِ وَذَكَرَهُ يَحْيَى بنُ سَلاَمٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقِيلَ: الأَسْوَدُ بنُ عَبْدِ يَغُوثَ ذَكَرَهُ سُنَيْدُ بنُ دَاوُدَ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقِيلَ: الأَخْنَسُ بنُ شَرِيقٍ وَذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ عَنِ الْقُتَيْبِيِّ، وَحَكَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الطَّبَرِيُّ فَقَالَ: يُقَالُ: هُوَ الأَخْنَسُ، وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ الأَسْوَدُ وَلَيْسَ بِهِ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ عَبْدُ ٱلرَّحْمـٰنِ بنُ الأَسْوَدِ فَإِنَّهُ يَصْغُرُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ أَسْلَمَ، وَذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ” ا.هـ.

﴿هَمَّازٍ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: “هُوَ الْمُغْتَابُ”، وَالْغِيبَةُ ذِكْرُكَ أَخَاكَ الْمُسْلِمَ بِمَا يَكْرَهُ مِمَّا فِيهِ فِي خَلْفِهِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ».

﴿مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ أَيْ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ لِيُفْسِدَ بَيْنَهُمْ، وَالنَّمِيمَةُ هِيَ نَقْلُ الْقَوْلِ لِلإِفْسَادِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ] ، وَالْقَتَّاتُ هُوَ النَّمَّامُ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لاَ يَدْخُلُهَا مَعَ الأَوَّلِينَ.

﴿مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ﴾ الظَّاهِرُ أَنَّ الْخَيْرَ هُنَا يُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ فِيمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ خَيْرٌ، قَالَهُ أَبُو حَيَّانَ، وَقِيلَ: بَخِيلٍ بِالْمَالِ، وَقِيلَ: يَمْنَعُ وَلَدَهُ وَعَشِيرَتَهُ عَنِ الإِسْلاَمِ يَقُولُ لَهُمْ مَنْ دَخَلَ مِنْكُمْ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ لاَ أَنْفَعُهُ بِشَىءٍ أَبَدًا.

﴿مُعْتَدٍ﴾ أَيْ عَلَى النَّاسِ فِي الظُّلْمِ مُتَجَاوِزٍ لِلْحَدِّ صَاحِبِ بَاطِلٍ ﴿أَثِيمٍ﴾ كَثِيرِ الآثَامِ.

﴿عُتُلٍّ﴾ أَيِ الْغَلِيظِ الْجَافِي، وَقِيلَ: الَّذِي يَعْتُلُ النَّاسَ أَيْ يَحْمِلُهُمْ وَيَجُرُّهُمْ إِلَى مَا يَكْرَهُونَ مِنْ حَبْسٍ وَضَرْبٍ، وَقِيلَ: الشَّدِيدِ الْخُصُومَةِ بِالْبَاطِلِ، وَقِيلَ: الْفَاحِشِ اللَّئِيمِ، وَقِيلَ: الأَكُولِ الشَّرُوبِ الْغَشُومِ الظَّلُومِ.

﴿بَعْدَ﴾ أَيْ مَعَ ﴿ذَلِكَ﴾ فَهُوَ ﴿زَنِيمٍ﴾ وَالْمَعْنَى: مَعَ مَا وَصَفَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ فَهُوَ زَنِيمٌ، وَالزَّنِيمُ هُوَ الدَّعِيُّ فِي قُرَيْشٍ وَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُعْرَفُ بِالشَّرِّ كَمَا تُعْرَفُ الشَّاةُ بِزَنَمَتِهَا وَهِيَ الْمُتَدَلِيَّةُ مِنْ أُذُنِهَا وَمِنَ الْحَلْقِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ قَالَ: “رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ لَهُ زَنَمَةٌ مِثْلُ زَنَمَةِ الشَّاةِ” ا.هـ.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ  عَنْ حَارِثَةَ بنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ، كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ»، وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ فَلَمْ نَعْرِفْهُ – أَيْ لِلْوَلِيدِ بنِ الْمُغِيرَةِ – حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ ﴿زَنِيمٍ﴾ فَعَرَفْنَاهُ لَهُ زَنَمَةٌ كَزَنَمَةِ الشَّاةِ.

﴿أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينٍ﴾ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَنَافِعٌ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ: ﴿أَنْ كَانَ﴾ عَلَى الْخَيْرِ، أَيْ لأَنْ كَانَ، وَالْمَعْنَى لاَ تُطِعْهُ لِمَالِهِ وَبَنِيهِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِهَمْزَتَيْنِ: الأُولَى مُخَفَّفَةٌ وَالثَّانِيَةُ مُلَيَّنَةٌ، وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِأَلِفٍ أَبُو جَعْفَرٍ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ: “أَأَنْ كَانَ” بِهَمْزَتَيْنِ مُخَفَّفَتَيْنِ عَلَى الاِسْتِفْهَامِ، وَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ تُطِيعُهُ وَهَذَا تَقْرِيعٌ لِهَذَا الْحَلاَّفِ الْمَهِين، وَالثَّانِي: أَلأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينٍ.

﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءايَاتُنَا﴾ أَيِ الْقُرْءَانِ ﴿قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ أَيْ قَالَ: أَبَاطِيلُهُمْ وَتُرَّهَاتُهُمْ وَخُرَافَاتُهُمْ، وَهَذَا الَّذِي قَالَ إِنَّمَا هُوَ اسْتِهْزَاءٌ بِآيَاتِ اللَّهِ وَإِنْكَارٌ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.

وَلَمَّا ذَكَرَ قَبَائِحَ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ ذَكَرَ مَا يُفْعَلَ بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَعُّدِ فَقَالَ تَعَالَى:

﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ السِّمَةُ: الْعَلاَمَةُ، وَالْخُرْطُومُ: الأَنْفُ، وَالْمَعْنَى: سَنُبَيِّنُ أَمْرَهُ بَيَانًا وَاضِحًا حَتَّى يَعْرِفُوهُ فَلاَ يَخْفَى عَلَيْهِمْ كَمَا لاَ تَخْفَى السِّمَةُ عَلَى الْخُرْطُومِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: سَنَجْعَلُ عَلَى أَنْفِهِ عَلاَمَةً يُعَيَّرُ بِهَا مَا عَاشَ، فَخُطِمَ بِالسَّيْفِ، يُقَالُ خَطَمَهُ إِذَا أَثَّرَ فِي أَنْفِهِ جِرَاحَةٌ، فَجُمِعَ لَهُ مَعَ بَيَانِ عُيُوبِهِ لِلنَّاسِ الْخَطْمُ بِالسَّيْفِ، وَقَالَ ءَاخَرُونَ: لَزِمَهُ عَارٌ لاَ يَنْمَحِي عَنْهُ وَلاَ يُفَارِقُهُ.

﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ﴾ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ امْتَحَنَّاهُمْ وَاخْتَبَرْنَاهُمْ، وَالْمَعْنَى: أَعْطَيْنَاهُمْ أَمْوَالاً لِيَشْكُرُوا لاَ لِيَبْطَرُوا فَلَمَّا بَطِرُوا وَعَادَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَلَيْنَاهُمْ بِالْجُوعِ وَالْقَحْطِ ﴿كَمَا بَلَوْنَآ﴾ أَيِ امْتَحَنَّا ﴿أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ أَيْ أَصْحَابَ الْبُسْتَانِ ﴿إِذْ أَقْسَمُوا﴾ وَحَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ ﴿لَيَصْرِمُنَّهَا﴾ أَيْ لَيَقْطَعَنَّ ثَمَرَهَا ﴿مُصْبِحِينَ﴾ أَيْ وَقْتَ الصَّبَاحِ كَيْ لاَ يَشْعُرَ بِهِمُ الْمَسَاكِينُ فَلاَ يُعْطَوْنَ مَا كَانَ أَبُوهُمْ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْهَا.

﴿وَلا يَسْتَثْنُونَ﴾ أَيْ لاَ يَقُولُونَ: “إِنْ شَاءَ اللَّهُ” بَلْ عَزَمُوا عَلَى ذَلِكَ عَزْمَ مَنْ يَمْلِكُ أَمْرَهُ.

أَمَّا قِصَّةُ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَهِيَ الْبُسْتَانُ فَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ أَنَّ رَجُلاً كَانَ بِنَاحِيَةِ الْيَمَنِ بِهِ بُسْتَانٌ وَكَانَ مُؤْمِنًا وَذَلِكَ بَعْدَ سَيِّدِنَا عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَكَانَ يَجْعَلُ عِنْدَ الْحَصَادِ نَصِيبًا لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَكَانَ يَجْتَمِعُ مِنْ هَذَا شَىءٌ كَثِيرٌ، فَلَمَّا مَاتَ الأَبُ وَرِثَهُ ثَلاَثَةُ بَنِينَ لَهُ وَقَالُوا: “وَاللَّهِ إِنَّ الْمَالَ لَقَلِيلٌ وَإِنَّ الْعِيَالَ لَكَثِيرٌ وَإِنَّمَا كَانَ أَبُونَا يَفْعَلُ هَذَا الأَمْرَ إِذْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا وَالْعِيَالُ قَلِيلاً، وَأَمَّا إِذَا قَلَّ الْمَالُ وَكََثُرَ الْعِيَالُ فَإِنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَفْعَلَ هَذَا”، فَعَزَمُوا عَلَى حِرْمَانِ الْمَسَاكِينِ وَتَحَالَفُوا بَيْنَهُمْ يَوْمًا لَيَغْدُوَّنَ غَدْوَةً قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ لِيَقْطَعُوا ثَمَرَ الْبُسْتَانِ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَجَدُوهُ قَدِ احْتَرَقَ وَصَارَ كَاللَّيْلِ الأَسْوَدِ.

﴿فَطَافَ﴾ أَيْ طَرَقَ ﴿عَلَيْهَا﴾ أَيِ الْجَنَّةِ وَهِيَ الْبُسْتَانُ ﴿طَآئِفٌ﴾ أَيْ طَارِقٌ ﴿مِّن رَّبِّكَ﴾ أَيْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴿وَهُمْ نَآئِمُونَ﴾ وَمْعَنَى الآيَةِ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ عَلَى الْبُسْتَانِ نَارًا فَاحْتَرَقَ فَصَارَ أَسْوَدَ.

﴿فَأَصْبَحَتْ﴾ فَصَارَتْ جَنَّتُهُمْ أَيْ بُسْتَانُهُمْ ﴿كَالصَّريِمِ﴾ كَاللَّيْلِ الأَسْوَدِ بِسَبَبِ احْتِرَاقِ الْبُسْتَانِ، وَقِيلَ: صَارَتْ كَالرَّمَادِ الأَسْوَدِ.

﴿فَتَنادَوْا﴾ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ وَهُمْ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَيْ دَعَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَى الْمُضِيِّ إِلَى مِيعَادِهِمْ ﴿مُصبِحين﴾ يَعْنِي لَمَّا أَصْبَحُوا.

﴿أَنِ اغْدُوا﴾ أَيْ بَاكِرُوا بِالْخُرُوجِ وَقْتَ الْغَدَاةِ ﴿عَلَى حَرْثِكُمْ﴾ يَعْنِي الثِّمَارَ وَالزَّرْعَ ﴿إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ﴾ أَيْ قَاطِعِينَ ثِمَارَكُمْ.

﴿فَانْطَلَقُوا﴾ أَيْ مَضَوْا وَذَهَبُوا إِلَى حَرْثِهِمْ ﴿وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ﴾ أَيْ يَتَسَارُّونَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُخْفُونَ كَلاَمَهُمْ وَيُسِرُّونَهُ لِئَلاَّ يَعْلَمَ بِهِمْ أَحَدٌ.

﴿أَنْ لاَ يَدْخُلَنَّهَا﴾ أَيْ يَتَخَافَتُونَ وَيَقُولُونَ: لاَ يَدْخُلَنَّهَا أَيِ الْجَنَّةَ ﴿الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ﴾ وَالنَّهْيُ عَنِ الدُّخُولِ نَهْيٌّ عَنِ التَّمْكِينِ مِنْهُ أَيْ لاَ تُمَكِّنُوهُمْ مِنَ الدُّخُولِ فَيَدْخُلُوا.

﴿وَغَدَوْا﴾ أَيْ سَارُوا إِلَى جَنَّتِهِمْ غَدْوَةً ﴿عَلَى حَرْدٍ﴾ أَيْ عَلَى قُدْرَةٍ، وَفُسِّرَ الْحَرْدَ بِالْقَصْدِ أَيْ غَدَوْا عَلَى أَمْرٍ قَدْ قَصَدُوهُ وَاعْتَمَدُوهُ وَاسْتَسَرُّوهُ بَيْنَهُمْ وَهُمْ يَظُنُّونَ فِي أَنْفُسِهِمُ الْقُدْرَةَ عَلَى صَرْمِهَا وَأَنَّهُمْ تَمَكَّنُوا مِنْ مُرَادِهِمْ، وَفُسِّرَ الْحَرْدُ بِالْمَنْعِ أَيْ مَنْعِ الْفُقَرَاءِ وَفِي ظَنِّهِمُ الْقُدْرَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ﴿قَادِرِينَ﴾ أَيْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى جَنَّتِهِمْ وَثِمَارِهَا لاَ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا أَحَدٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّقْدِيرِ بِمَعْنَى التَّضْيِيقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ [سُورَةَ الْفَجْرِ] أَيْ مُضَيِّقِينَ عَلَى الْمَسَاكِينِ إِذْ حَرَمُوهُمْ مَا كَانَ أَبُوهُمْ يُنِيلُهُمْ مِنْهَا، قَالَهُ أَبُو حِبَّانَ.

﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا﴾ أَيْ فَلَمَّا صَارَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ إِلَى بُسْتَانِهِمْ وَرَأَوْهَا مُحْتَرِقًا حَرْثُهَا أَنْكَرُوهَا وَشَكُّوا فِيهَا هَلْ هِيَ جَنَّتُهُمْ أَمْ لاَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا الطَّرِيقَ وَتَاهُوا وَأَنَّ الَّتِي رَأَوْا غَيْرُهَا ﴿قَالُوا إِنَّا﴾ أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿لَضَآلُّونَ﴾ أَيْ لَمُخْطِئُونَ الطَّرِيقَ إِلَى جَنَّتِنَا وَلَيْسَتْ هَذِهِ جَنَّتَنَا، ثُمَّ وَضَحَ لَهُمْ أَنَّهَا هِيَ وَأَنَّهُ أَصَابَهَا مِنَ عَذَابِ اللَّهِ مَا أَذْهَبَ خَيْرَهَا، وَقِيلَ: أَيْ إِنَّا لَضَالُّوَن عَنِ الصَّوَابِ فِي غُدُوِّنَا عَلَى نِيَّةِ مَنْعِ الْمَسَاكِينِ فَلِذَلِكَ عُوقِبْنَا.

﴿بَلْ نَحْنُ﴾ أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿مَحْرُومُونَ﴾ أَيْ حُرِمْنَا خَيْرَهَا وَنَفْعَهَا بِمَنْعِنَا الْفُقَراَءَ مِنْهَا.

﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ﴾ أَيْ قَالَ أَفْضَلُهُمْ قَوْلاً وَأَرْجَحُهُمْ عَقْلاً: ﴿أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلاَ﴾ أَيْ هَلاَّ ﴿تُسَبِّحُونَ﴾ أَيْ تَقُولُونَ: “سُبْحَانَ اللَّهِ” وَتَشْكُرُونَهُ عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ. فَقَدْ أَنَّبَهُمْ أَخُوهُمْ وَوَبَّخَهُمْ عَلَى تَرْكِهِمْ مَا حَضَّهُمْ عَلَيْهِ مِنْ تَسْبِيحِ اللَّهِ أَيْ ذِكْرِهِ وَتَنْزِيهِهِ عَنِ السُّوءِ، وَلَوْ ذَكَرُوا اللَّهَ وَإِحْسَانَهُ إِلَيْهِمْ لاَمْتَثَلُوا مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ مُوَاسَاةِ الْمَسَاكِينِ وَاقْتَفَوْا سُنَّةَ أَبِيهِمْ فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا غَفَلُوا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَزَمُوا عَلَى مَنْعِ الْمَسَاكِينِ ابْتَلاَهُمُ اللَّهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَوْسَطَهُمْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ وَحَرَّضَهُمْ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: “لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ” أَيْ تَسْتَثْنُونَ إِذْ قُلْتُمْ ﴿لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾ فَتَقُولُوا: “إِنْ شَاءَ اللَّهُ”، وَقِيلَ: لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ أَيْ تَذْكُرُونَ اللَّهَ وَتَتُوبُونَ إِلَيْهِ مِنْ خُبْثِ نِيَّتِكُمْ، وَلَمَّا أَنَّبَهُمْ رَجَعُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَاعْتَرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالظُّلْمِ وَبَادَرُوا إِلَى تَسْبِيحِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

﴿قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا﴾ أَْيْ نَزَّهُوا اللَّهَ عَنْ أَنْ يَكُونَ ظَالِمًا فِيمَا فَعَلَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: “أَيْ نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ ذَنْبِنَا”، ﴿إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ أَيْ لأَِنْفُسِنَا مِنْ مَنْعِنَا الْمَسَاكِينَ مِنْ ثَمَرِ جَنَّتِنَا.

﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ﴾ أَيْ يَلُومُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، يَقُولُ هَذَا لِهَذَا: “أَنْتَ أَشَرْتَ عَلَيْنَا بِهَذَا الرَّأْيِ”، وَيَقُولُ ذَلِكَ لِهَذَا: “أَنْتَ خَوَّفْتَنَا مِنَ الْفَقْرِ”، وَيَقُولُ الثَّالِثُ لِغَيْرِهِ: “أَنْتَ رَغَّبْتَنَا فِي جَمْعِ الْمَالِ”، ثُمَّ نَادَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْوَيْلِ.

﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا﴾ أَيْ هَلاَكَنَا ﴿إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ﴾ أَيْ مُخَالِفِينَ أَمْرَ اللَّهِ فِي تَرْكِنَا الاِسْتِثْنَاءَ وَمَنْعِنَا حَقَّ الْفُقَرَاءِ، ثُمَّ رَجَوُا انْتِظَارَ الْفَرَجِ فِي أَنْ يُبَدِّلَهُمْ خَيْرًا مِنْ تِلْكَ الْجَنَّةِ فَقَالُوا:

﴿عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا﴾ أَيْ مِنْ هَذَهِ الْجَنَّةِ ﴿إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾ أَيْ طَالِبُونَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُبْدِلَنَا مِنْ جَنَّتِنَا إِذْ هَلَكَتْ خَيْرًا مِنْهَا.

﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾ أَيْ عَذَابُ الدُّنْيَا الَّذِي بَلَوْنَا بِهِ أَصْحَابَ الْبُسْتَانِ مِنْ إِهْلاَكِ مَا كَانَ عِنْدَهُمْ إِذْ أَصْبَحَتْ جَنَّتُهُمْ أَيْ بُسْتَانُهُمْ كَالصَّريِمِ.

﴿وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ﴾ يَعْنِي عُقُوبَةُ الآخِرَةِ لِمَنْ عَصَى رَبَّهُ وَكَفَرَ بِهِ أَكْبَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عُقُوبَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِهَا ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أَيْ لَوْ كَانَ هَؤُلاَءِ الْمُشْرِكُونَ يَعْلَمُونَ أَنَّ عُقُوبَةَ اللَّهِ لأَِهْلِ الشِّرْكِ بِهِ أَكْبَرُ مِنْ عُقُوبَتِهِ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا لاَرْتَدَعُوا وَتَابُوا وَأَنَابُوا.

ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا أَعَدَّ لِلْمُتَّقِينَ فَقَالَ: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقينَ﴾ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُجْتَنِبِينَ لِلشِّرْكِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ، وَالتَّقِيُّ هُوَ الَّذِي أَدَّى مَا فَرَضَهُ اللَّهُ وَاجْتَنَبَ مَا حَرَّمَهُ، فَهَؤُلاَءِ الْمُتَّقُونَ لَهُمْ ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ فِي الآخِرَةِ ﴿جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ أَيِ النَّعِيمَ الدَّائِمَ الَّذِي لاَ يَشُوبُهُ مَا يُنَغِّصُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [سُورَةَ الْكَهْفِ]، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلاَ يَتْفِلُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَتَمَخَّطُونَ» قَالُوا: فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟ قَالَ: «جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ»، وَقَالَ أَيْضًا: «يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْأَسُوا أَبَدًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَنُودُواْ أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [سُورَةَ الأَعْرَافِ] » [رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ].

وَلَمَّا قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّا لَنُعْطَى فِي الآخِرَةِ أَفْضَلُ مِمَّا تُعْطَوْنَ قَالَ تَعَالَى مُكَذِّبًا لَهُمْ:

﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾ أَيْ لاَ يَتَسَاوَى عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِرَبِّهِمْ وَذَلُّوا لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالْكَافِرِينَ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ فِيهِ تَوْقِيفٌ عَلَى خَطَإِ مَا قَالُوا وَتَوْبِيخٌ وَتَقْرِيعٌ لِلْكُفَّارِ.

ثُمَّ وَبَّخَهُمْ فَقَالَ: ﴿ما لكُمْ﴾ أَيْ أَيُّ شَىءٍ لَكُمْ فِيمَا تَزْعُمُونَ، وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ عَلَيْهِمْ ﴿كَيْفَ تَحكُمونَ﴾ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ ثَالِثٌ عَلَى سَبِيلِ الإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ، وَمَعْنَى الآيَةِ: كَيْفَ تَحْكُمُونَ هَذَا الْحُكْمَ الْفَاسِدَ، كَأَنَّ أَمْرَ الْجَزَاءِ مُفَوَّضٌ إِلَيْكُمْ حَتَّى تَحْكُمُوا فِيهِ بِمَا شِئْتُمْ أَنَّ لَكُمْ مِنَ الْخَيْرِ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا إِشْعَارٌ بِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ صَادِرٌ مِنِ اخْتِلاَلِ فِكْرٍ وَاعْوِجَاجٍ رَأْيٍ.

﴿أَمْ لَكُمْ﴾ أَيْ أَلَكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ بِتَسْوِيَتِكُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُجْرِمِينَ فِي الْجَزَاءِ وَالْمَنْزِلَةِ ﴿كِتَابٌ﴾ أُنْزِلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَتَاكُمْ بِهِ رَسُولٌ مِنْ رُسُلِهِ ﴿فِيهِ تَدْرُسُونَ﴾ أَيْ تَقْرَءُونَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ ﴿إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ﴾ أَيْ إِنَّ مَا تَخْتَارُونَهُ وَتَشْتَهُونَهُ لَكُمْ كَمَا زَعَمْتُمْ. وَقَرَأَ أَبُو الْجَوْزَاءِ وَأَبُو عِمْرَانَ: ﴿أَنَّ لَكُمْ﴾ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ.

﴿أَمْ لَكُمْ﴾ أَيْ أَلَكُمْ ﴿أَيْمَانٌ عَلَيْنَا﴾ أَيْ أَقْسَامٌ وَعُهُودٌ وَمَوَاثِيقُ عَاهَدْنَاكُمْ عَلَيْهَا فَاسْتَوْثَقُتْمْ بِهَا مِنَّا بَالِغَةٌ أَيْ ﴿بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ مُؤَكَّدَةٌ تَنْتَهِي بِكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ تَنْقَطِعُ تِلْكَ الأَيْمَانُ وَالْعُهُودُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴿إِنَّ لَكُمْ﴾ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ ﴿لَمَا تَحْكُمُونَ﴾ أَيْ حُكْمَكُمْ، وَالْقُرَّاءُ عَلَى رَفْعِ: ﴿بَالِغَةٌ﴾ إِلاَّ الْحَسَنُ فَإِنَّهُ نَصَبَهَا عَلَى مَذْهَبِ الْمَصْدَرِ. ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ:

﴿سَلْهُمْ﴾ أَيْ سَلْ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلاَءِ الْمُشْرِكِينَ وَقُلْ لَهُمْ ﴿أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ الزَّعِيمُ: الْكَفِيلُ، أَيْ أَيُّهُمْ كَفِيلٌ وَضَامِنٌ بِأَنَّ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ مَا لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْخَيْرِ ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ﴾ وَفِي تَفْسِيرِهِ وَجْهَانِ:

الأَوَّلُ: أَنَّ الْمَعْنَى أَمْ لَهُمْ أَشْيَاءُ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا شُرَكَاءُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ أُولَئِكَ الشُّرَكَاءَ يَجْعَلُونَهُمْ فِي الآخِرَةِ مِثْلَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّوَابِ وَالْخَلاَصِ مِنَ الْعِقَابِ، وَإِنَّمَا أَضَافَ الشُّرَكَاءَ إِلَيْهِمْ لأَِنَّهُمْ هُمْ جَعَلُوهَا شُرَكَاءَ لِلَّهِ  تَعَالَى.

الثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى أَمْ لَهُمْ نَاسٌ يُشَارِكُونَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا وَهُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُجْرِمِ وَأَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْخَيْرِ فِي الآخِرَةِ.

﴿فَلْيَأْتُوا﴾ هَذَا أَمْرٌ مَعْنَاهُ التَّعْجِيزُ أَيْ لاَ أَحَدَ يَقُولُ بِقَوْلِهِمْ كَمَا أَنَّهُ لاَ كِتَابَ لَهُمْ وَلاَ عَهْدٌ مِنَ اللَّهِ وَلاَ زَعِيمَ لَهُمْ يَضْمَنُ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ   بِهَذَا ﴿بِشُرَكَآئِهِمْ﴾ يَشْهَدُونَ عَلَى مَا زَعَمُوا ﴿إِن كَانُوا صَادِقِينَ﴾ فِي دَعْوَاهُمْ.

إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَبْطَلَ قَوْلَهُمْ وَبَيَّنَ أَنَّهُ لاَ وَجْهَ لِصِحَّتِهِ أَصْلاً أَخْبَرَ عَنْ عَظَمَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَالَ: ﴿يَوْمَ﴾ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ﴿يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ شِدَّةِ الأَمْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ، يُقَالُ: “كَشَفَتِ الْحَرْبُ عَنْ سَاقٍ إِذَا اشْتَدَّ الأَمْرُ فِيهَا”، وَثَبَتَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ تَرْجُمَانِ الْقُرْءَانِ عَبْدِ اللَّهِ  بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذَهِ الآيَةِ: “عَنْ شِدَّةٍ مِنَ الأَمْرِ”، وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: “هُوَ يَوْمُ كَرْبٍ وَشِدَّةٍ”. وَقَالَ أَهْلُ الْبَاطِلِ مِنَ الْمُشَبِّهَةِ إِنَّ لِلَّهِ  سَاقًا يَكْشِفُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، قَالَ الإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ مِنْ رُءُوسِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي عَقِيدَتِهِ الَّتِي هِيَ عَقِيدَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: “وَتَعَالَى – أَيِ اللَّهُ – عَنِ الْحُدُودِ وَالْغَايَاتِ وَالأَرْكَانِ وَالأَعْضَاءِ وَالأَدَوَاتِ” ا.هـ.

﴿وَيُدْعَوْنَ﴾ أَيِ الْكُفَّاُر ﴿إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾ كَأَنَّ فِي ظُهُورِهِمْ سَفَافِيدَ الْحَدِيدِ، وَالدُّعَاءُ إِلَى السُّجُودِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ التَّكْلِيفِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ وَعِنْدَمَا يُدْعُونَ إِلَى السُّجُودِ سُلِبُوا الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الاِسْتِطَاعَةِ حَتَّى يَزْدَادَ حُزْنُهُمْ وَنَدَمُهُمْ عَلَى مَا فَرَّطُوا فِيهِ حِينَ دُعُوا إِلَيْهِ وَهُمْ سَالِمُو الأَطْرَافِ وَالْمَفَاصِلِ.

﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ﴾ أَيْ ذَلِيلَةً وَخَاضِعَةً ﴿تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ أَيْ تَغْشَاهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَوُجُوهُهُمْ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ وَتَسْوَّدُ وُجُوهُ الْكَافِرِينَ ﴿وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ﴾ أَيْ فِي الدُّنْيَا ﴿إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ أَيْ مُعَافَوْنَ أَصِحَّاءَ.

﴿فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ أَيِ الْقُرْءَانِ، وَالْمَعْنَى: كِلْ يَا مُحَمَّدُ أَمْرَ هَؤُلاَءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقُرْءَانِ إِلَيَّ أَكْفِكَ أَمْرَهُ، أَيْ حَسْبُكَ فِي الإِيقَاعِ بِهِمْ وَالاِنْتِقَامِ مِنْهُمْ أَنْ تَكِلَ أَمْرَهُمْ إِلَيَّ فَإِنِّي عَالِمٌ بِمَا يَسْتَحِقُّونَ مِنَ الْعَذَابِ، وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنْ يُكَذِّبُ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيُّ: “زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَإِذَا قُلْنَا إِنَّهُ وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ فَلاَ نَسْخَ” ا.هـ.

﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم﴾ أَيْ نَأْخُذُهُمْ دَرَجَةً دَرَجَةً وَذَلِكَ إِدْنَاؤُهُمْ مِنَ الشَّىءِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُدْنِيهِمْ مِنَ الْعَذَابِ دَرَجَةً دَرَجَةً حَتَّى يُوقِعَهُمْ فِيهِ ﴿مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ وَاسْتِدْرَاجُ اللَّهِ  تَعَالَى الْعُصَاةَ أَنْ يَرْزُقَهُمُ الصِّحَّةَ وَيَفْتَحَ بَابًا مِنَ النِّعْمَةِ يَغْتَبِطُونَ بِهِ وَيَرْكُنُونَ إِلَيْهِ وَهُمْ يَحْسَبُونَهُ تَفْضِيلاً لَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ سَبَبٌ لإِهْلاَكِهِمْ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ بِحَيْثُ كُلَّمَا ازْدَادَ ذَنْبًا جَدَّدَ اللَّهُ لَهُ نِعْمَةٌ وَأَنْسَاهُ التَّوْبَةَ وَالاِسْتِغْفَارَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِدْرَاجًا بِحَيْثُ لاَ يَشْعُرُ الْعَبْدُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاجٌ.

﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ أَيْ أَمْهِلُهُمْ وَأُطِيلُ لَهُمُ الْمُدَّةَ ﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ أَيْ إِنَّ عَذَابِي لَقَوِيٌّ شَدِيدٌ.

﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ﴾ أَيْ أَتَسْأَلُ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلاَءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ  عَلَى مَا أَتَيْتَهُمْ بِهِ مِنَ النَّصِيحَةِ وَدَعْوَتَهُمْ إِلَيْهِ مِن الْحَقِّ ﴿أَجْرًا﴾ أَيْ ثَوَابًا وَجَزَاءً ﴿فَهُم مِّنْ مَّغْرَمٍ﴾ أَيْ مِنْ أَنْ يَغْرَمُوا لَكَ الأَجْرَ ﴿مُّثْقَلُونَ﴾ قَدْ أَثْقَلَهُمُ الْقِيَامُ بِأَدَائِهِ، وَمَعْنَى الآيَةِ: أَتَطْلُبُ مِنْهُمْ أَجْرًا فَيَثْقُلَ عَلَيْهِمْ حَمْلُ الْغَرَامَاتِ فِي أَمْوَالِهِمْ فَيُثْبِطَهُمْ ذَلِكَ عَنِ الإيِمَانِ فَلاَ يُؤْمِنُونَ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى النَّفْيِّ أَيْ لَسْتَ تَطْلُبُ أَجْرًا عَلَى تَبْلِيغِ الْوَحْيِ فَيَثْقُلَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَيَمْتَنِعُوا عَنِ الدُّخُولِ فِي الَّذِي دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الدِّينِ.

﴿أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ﴾ أَيِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ الَّذِي فِيهِ الْغَيْبُ ﴿فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ مِنْهُ مَا يَقُولُونَ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ عَلَى سَبِيلِ الإِنْكَارِ.

﴿فَاصْبِرْ﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ أَيْ لِقَضَاءِ رَبِّكَ الَّذِي هُوَ ءَاتٍ، وَامْضِ لِمَا أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ وَلاَ يُثْنِيكَ عَنْ تَبْلِيغِ مَا أُمِرْتَ بِتَبْلِيغِهِ تَكْذِيبُهُمْ إِيَّاكَ وَأَذَاهُمْ لَكَ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيُّ: “قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى الصَّبْرِ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ” ا.هـ ثُمَّ رَدَّهُ أَيِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ.

﴿وَلاَ تَكُنْ﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ وَهُوَ سَيِّدُنَا يُونُسُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الَّذِي حَبِسَهُ الْحُوتُ فِي بَطْنِهِ، وَكَانَ مِنْ قِصَّتِهِ أَنَّهُ لَمَّا ذَهَبَ إِلَى الْعِرَاقِ امْتِثَالاً لأَِمْرِ اللَّهِ  لِيُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ وَدَعَا هَؤُلاَءِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى دِينِ الإِسْلاَمِ وَعِبَادَةِ اللَّهِ  وَحْدَهُ وَتَرْكِ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، كَذَّبُوهُ وَتَمَرَّدُوا وَأَصَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لِدَعْوَتِهِ، وَبَقِيَ يُونُسُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ صَابِرًا عَلَى الأَذَى يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ وَيُذَكِّرُهُمْ وَيَعِظُهُمْ، وَلَكِنَّهُ مَعَ طُولِ مُكْثِهِ مَعَهُمْ لَمْ يَلْقَ مِنْهُمْ إِلاَّ عِنَادًا وَإِصْرَارًا عَلَى كُفْرِهِمْ وَوَجَدَ فِيهِمْ ءَاذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا وَوَقَفُوا مُعَارِضِينَ لِدَعْوَتِهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَيِسَ سَيِّدُنَا يُونُسُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ مِنْهُمْ بَعْدَمَا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِمْ وَخَرَجَ مِنْ أَظْهُرِهِمْ وَظَنَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَنْ يُؤَاخِذَهُ عَلَى هَذَا الْخُرُوجِ مِنْ بَيْنِهِمْ وَلَنْ يُضَيِّقَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ تَرْكِهِ لأَِهْلِ هَذَهِ الْقَرْيَةِ وَهَجْرِهِ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْخُرُوجِ. وَلَمَّا أَصَابَ نَبِيَّ اللَّهِ  يُونُسَ مَا أَصَابَهُ مِنِ ابْتِلاَعِ الْحُوتِ عَلِمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ حَصَلَ لَهُ ابْتِلاَءً لَهُ بِسَبَبِ اسْتِعْجَالِهِ وَخُرُوجِهِ عَنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِدُونِ إِذْنِ مِنَ اللَّهِ  تَعَالَى، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِمْ فَوَجَدَهُمْ مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ  تَائِبِينَ إِلَيْهِ فَمَكَثَ مَعَهُمْ يُعَلِّمُهُمْ وَيُرْشِدُهُمْ.

فَائِدَةٌ: سَيِّدُنا يُونُسُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ لأَِنَّهُمْ كَذَّبُوهُ وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِدَعْوَتِهِ وَأَصَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ  يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ فَإِنَّ هَذَا كُفْرٌ وَضَلاَلٌ، لاَ يَجُوزُ نِسْبَتُهُ لأَِنْبِيَاءِ اللَّهِ  الَّذِينَ عَصَمَهُمُ اللَّهُ وَجَعَلَهُمْ هُدَاةٌ مُهْتَدِينَ عَارِفِينَ بِرَبِّهِمْ، فَمَنْ نَسَبَ إِلَى يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِلَّهِ  فَقَدِ افْتَرَى عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ  وَنَسَبَ إِلَيْهِ الْجَهْلُ بِاللَّهِ  وَالْكُفْرُ بِهِ وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ عَلَى الأَنْبِيَاءِ لأَِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا.

﴿إِذْ نَادَى﴾ حِينَ دَعَا رَبَّهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ فَقَالَ: »لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ« ﴿وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ أَيْ مَمْلُوءٌ غَيْظًا عَلَى قَوْمِهِ إِذْ لَمْ يُؤْمِنُوا لَمَّا دَعَاهُمْ إِلَى الإيِمَانِ وَأَحْوَجُوهُ إِلَى اسْتِعْجَالِ مُفَارَقَتِهِ إِيَّاهُمْ.

﴿لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ﴾ أَيْ أَدْرَكَهُ ﴿نِعْمَةٌ﴾ أَيْ رَحْمَةٌ ﴿مِّن رَّبِّهِ﴾ أَيْ لَوْلاَ أَنَّ اللَّهَ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِإِجَابَةِ دُعَائِهِ وَقَبُولِ عُذْرِهِ ﴿لَنُبِذَ﴾ أَيْ لَطُرِحَ مِنَ بَطْنِ الْحُوتِ ﴿بِالْعَرَآءِ﴾ أَيْ بِالأَرْضِ الْوَاسِعَةِ الْفَضَاءِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا جَبَلٌ وَلاَ شَجَرٌ يَسْتُرُ ﴿وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ أَيْ مُلِيمٌ وَلَكِنَّهُ رُحِمَ فَنُبِذَ غَيْرَ مَذْمُومٍ لأَِنَّهُ تِيْبَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ.

وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: ﴿لَوْلاَ أَنْ تَدَارَكَتْهُ﴾ بِتَاءٍ خَفِيفَةٍ وَبِتَاءٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْكَافِ مَعَ تَخْفِيفِ الدَّالِ، وَقَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو الْمُتَوَكِّلِ: ﴿تَدَارَكَهُ﴾ بِتَاءٍ وَاحِدَةٍ خَفِيفَةٍ مَعَ تَشْدِيدِ الدَّالِ، وَقَرَأَ أُبَيْ بنُ كَعْبٍ: ﴿تَتَدَارَكَهُ﴾ بِتَائَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ.

﴿فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ﴾ أَيِ اصْطَفَاهُ اللَّهُ وَاخْتَارَهُ ﴿فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ أَيْ مِنَ الْمُسْتَكْمِلِينَ لِصِفَاتِ الصَّلاَحِ، وَقِيلَ مِنَ النَّبِيِّينَ.

﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ﴾ وَفِي مَعْنَى الآيَةِ لِلْمُفَسِّريِنَ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْكُفَّارَ قَصَدُوا أَنْ يُصِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَيْنِ فَعَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ، وَقِيلَ: إِنَّ الْكُفَّارَ مِنْ شِدَّةِ إِبْغَاضِهِمْ لَكَ وَعَدَاوَتِهِمْ يَكَادُونَ بِنَظَرِهِمْ إِلَيْكَ نَظَرَ الْبَغْضَاءِ أَنْ يُزْلِقَهُ مِنْ شِدَّتِهِ، يُقَالُ نَظَرَ فُلاَنٌ إِلَيَّ نَظَرًا كَادَ يَأْكُلُنِي وَكَادَ يَصْرَعُنِي. وَفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ إِصَابَتُهَا وَتَأْثِيرُهَا حَقٌّ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ  تَعَالَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ] ، أَيِ الإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ شَىءٌ ثَابِتٌ مَوْجُودٌ.

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: «إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهِمَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّآمَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَآمَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لآمَّةٍ». وَقَرَأَ الأَكْثَرُونَ: ﴿لَيُزْلِقُونَكَ﴾ بِضَمِّ اليَّاءِ مِنْ أَزْلَقْتُهُ، وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَبَانُ بِفَتْحِهَا مِنْ زَلَقْتُهُ أَزْلِقُهُ، وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ عِنْدَ الْعَرَبِ.

﴿لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ﴾ أَيْ لَمَّا سَمِعُوا كِتَابَ اللَّهِ يُتْلَى وَهُوَ الْقُرْءَانُ ﴿وَيَقُولُونَ﴾ مِنْ شِدَّةِ كَرَاهِيَتِهِمْ وَبُغْضِهِمْ لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ أَيْ يَنْسُبُونَهُ إِلَى الْجُنُونِ إِذَا رَأَوْهُ يَقْرَأُ الْقُرْءَانَ يَقُولُونَ ذَلِكَ تَنْفِيرًا عَنْهُ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَمُّهُمْ فَضْلاً وَأَرْجَحُهُمْ عَقْلاً، قَالَ تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ ﴿وَمَا هُوَ﴾ يَعْنِي الْقُرْءَانَ ﴿إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾ أَيْ مَوْعِظَةٌ لِلإِنْسِ وَالْجِنِّ يَتَّعِظُونَ بِهِ وَيَسْتَنْبِطُونَ مِنْهُ صَلاَحَ أَحْوَالِهِمُ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَمَنْ كَانَ يُظْهِرُ مِثْلَ هَذَا الَّذِي فِيهِ الْهُدَى وَالْحَقُّ وَالْعَدْلُ وَالسَّعَادَةُ الأُخْرَوِيَّةُ وَيَتْلُوهُ وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْعَمَلِ بِمَا فِيهِ كَيْفَ يُقَالُ فِي حَقِّهِ إِنَّهُ مَجْنُونٌ وَالْحَالُ أَنَّهُ مِنْ أَدَلِّ الأُمُورِ عَلَى كَمَالِ عَقْلِهِ وَعُلُوِّ شَأْنِهِ، فَمَنْ نَسَبَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُصُورَ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جَهْلِهِ وَخَيْبَتِهِ فَإِنَّ ذَا الْفَضْلِ لاَ يَعْرِفُهُ إِلاَّ ذَوُوهُ، وَلَقَدْ قِيلَ:

إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْءِ عَيْنٌ صَحِيحَةٌ             فَلاَ غَرْوَ أَنْ يَرْتَابَ وَالصُّبْحُ مُسْفِرٌ

 

Donation Donation Donation
Previous Post

معنى الآية إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ

Next Post

تفسير سورة الحاقة

Related Posts

وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ

September 17, 2021

الْبُكَاءُ بِخُشُوعٍ للهِ عِنْدَ تِلاَوَةِ الْقُرْءَانِ

September 17, 2021

معنى دعاء ءاسية

September 17, 2021

معنى قوله تعالى: قلنا يا نار كوني بردا

September 17, 2021

تفسير الآية “هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ”

September 17, 2021

معنى قول الله تعالى:” فتَبارَك اللهُ أحسَنُ الخالقِين “

September 17, 2021
Next Post

تفسير سورة الحاقة

Sunna Files Website

يتميز موقعنا بطابع إخباري، إسلامي، وثقافي، وهو مفتوح للجميع مجانًا. يشمل موقعنا المادة الدينية الشرعية بالإضافة الى تغطية لأهم الاحداث التي تهم العالم الإسلامي. يخدم موقعنا رسالة سامية، وهو بذلك يترفّع عن أي انتماء إلى أي جماعة أو جمعية أو تنظيم بشكل مباشر أو غير مباشر. إن انتماؤه الوحيد هو لأهل السنة والجماعة.

Follow Us

  • Privacy & Policy

2024 Powered By OK Design Web Design Solutions.

Welcome Back!

Login to your account below

Forgotten Password?

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Log In
No Result
View All Result
  • Main Page
  • Islam
    • Islamic Lessons
    • Consultancy
    • Top Picks
    • Islamic Heritage
  • Sunna Files News
    • Sunna Files Blog
    • Muslims News
  • Shop
    • eBook Shop
    • My Cart
    • Checkout
  • المرصد
  • إضاءات إسلامية
    • السنة النبوية
      • السيرة النبوية
      • المولد النبوي الشريف
      • معالم المدينة
      • الموسوعة الحديثية
      • أحاديث نبوية
    • أصول العقيدة
      • تفسير القرءان
      • حكم الدين
    • الفقه الإسلامي
      • سؤال وجواب
      • الحج والعمرة
      • المعاملات والنكاح
      • الصلاة و الطهارة
      • معاصي البدن والجوارح
      • الصيام والزكاة
    • قصص الأنبياء
    • عالم الجن وأخباره
    • خطب الجمعة
    • الترقيق والزهد
      • أخبار الموت والقيامة
      • الفتن وعلامات الساعة
      • فوائد إسلامية
      • أذكار
      • الرقية الشرعية
      • قصص
    • الفرق والمِلل
      • طوائف ومذاهب
      • الشيعة
      • اهل الكتاب
      • الملحدين
      • حقائق الفرق
  • مقالات
    • التاريخ والحضارة الإسلامية
    • الـسـير والتـراجـم
    • التاريخ العثماني
    • المناسبات الإسلامية
    • ثقافة ومجتمع
      • خصائص اعضاء الحيوانات
      • أدبيات وفوائد
      • دواوين وقصائد
      • التربية والمنزل
      • الصحة
      • مأكولات وحلويات
  • المكتبة
  • Languages
    • İslam dersleri – Islamic Turkish Lessons
    • Islamiska Lektioner – Swedish Language
    • Islamilainen Tiedot – Finnish Language
    • Mësime Islame – DEUTSCH
    • Leçons islamiques – French Language
    • ісламський уроки – Russian Language
    • Lecciones Islamicas – Espanola
    • Islamitische lessen – Dutch Language

2024 Powered By OK Design Web Design Solutions.